كانت جريدة Le12.ma سبّاقة إلى توقّع أن يكون “اللقاء الخاص” الذي سيستضيف أمين التهراوي على “دوزيم“، سيكون لقاء استثنائيا ومليئا بالمفاجآت.

*أحمد عبد ربه| “Le12.ma”

في لحظة كانت فيها منظومة الصحة بحاجة إلى خطاب واقعي ومسؤول يُقنع قبل أن يُبرّر، خرج وزير الصحة والحماية الاجتماعية، أمين التهراوي، مساء الاثنين 6 أكتوبر 2025، في لقاء خاص على شاشة القناة الثانية ليقلب المعادلة. وهو ما توقّعه موقع Le12.ma الذي كان سبّاقًا في قراءة المشهد، وبلورة توقّعه بأن يكون اللقاء استثنائيا، لأنه سيستضيف وزيرا استثنائيا، للحديث عن وضعية استثنائية يعيشها قطاع الصحة في المغرب، وذلك ما حدث: حضر الوزير بملفّات، بأرقام، وبنبرة تنطق بصدق الميدان أكثر مما تنطق بلغة السياسة التقليدية. النتيجة: تحول سريع في المزاج العام من استياء غاضب إلى تقدير حذر وإعجاب متزايد.

الظهور الذي أعاد ترتيب الصورة

الخرجة التلفزية لم تكن مجرد خطوة دفاعية أمام موجة انتقادات، كانت عرضًا لاستراتيجية تواصل تقوم على الشفافية والوضوح. تحدث التهراوي بلا مواربة عن اختلالات بنيوية وإدارية رصدتها زياراته الميدانية، ولم يتهرّب من تحمّل مسؤوليته حيث اقتضى الأمر. بيان إحالة ملف وفيات أحد المستشفيات إلى القضاء، وإجراءات توقيف مؤقتة لمتدخلين، جعلت من حديثه مزيجًا من محاسبة داخلية وإعلان عزيمة إصلاحية. وكان لافتا أن الجمهور الرقمي، وفيهم إعلاميون ونشطاء ومواطنون، عبّروا عن إعجاب بلغة الأرقام والوقائع التي استعملها الوزير، وهو ما بدا بمثابة استعادة لثقة مفقودة.

مدير تكنوقراطي برؤية ميدانية

أمين التهراوي ليس سياسياً تقليدياً فحسب، هو مزيج من إدارة الأعمال والمسلك الحكومي. خريج المدرسة الوطنية للإدارة، ومنهجية انتقاله بين القطاع الخاص ومناصب رفيعة في الإدارة العامة منحه قدرة على قراءة ملفات المؤسسات من منظور تشغيلي واستراتيجي. تعيينه وزيراً للصحة في أكتوبر 2024 وضع على عاتقه مهمة ثقيلة: إصلاح منظومة متراكمة مخترقة بالاختلالات، وفي نفس الوقت استعادة ثقة المواطن. أسلوبه الهادئ، القائم على أرقام واضحة ومقترحات عملية، منحه صفة “وزير ميدان” قادر على المزج بين الحزم الإداري والاحترافية التقنية.

أرقام ومشروعات: لغة الإنجاز الواقعي

لم يلجأ الوزير إلى خطاب الشعارات، لقد ارتكز على بيانات قابلة للقياس، وهذه بعضٌ من المعطيات التي عرضها الوزير:

– إنجاز 22 مشروعًا صحياً خلال الفترة الماضية واستعداد لافتتاح 24 مستشفى جديدًا قريبًا.

– برنامج واسع لإعادة تأهيل المراكز الصحية تم تخصيص حوالي 6.2 ملايير درهم له، ويشمل نحو 1400 مركز، وقد تم إنجاز نحو 1000 مركز، مع برنامج لتهيئة 1600 مركز إضافي من أصل 3000 مبرمجة على الصعيد الوطني.

– معالجة عجز الموارد البشرية عبر تسريع إجراءات الإدماج، وقد أعلن التهراوي عن دفعات ملحوظة من الأطباء الاختصاصيين الذين التحقوا بمناصبهم خلال 2025، مع نسبة التزام تُقدر بحوالي 95%، وهو مؤشر لا يستهان به في سياق الخصاص المزمن.

– مشاريع تقنية مهمة مثل إطلاق “ورقة العلاج الإلكترونية” بداية سنة 2026، كأداة لتبسيط المساطر وتقليص الأخطاء وتسريع التعويضات.

هذه المعطيات لا تُقرأ كقائمة إنجازات فحسب، بل كخارطة طريق تعكس فهمًا منهجيًا لطبيعة الاختلالات: بنية تحتية، حوكمة مؤسساتية، وندرة الموارد البشرية. أكثر من ذلك: التهراوي وضع إطارًا واضحًا للتصدي لما أطلق عليه “لوبيات تحكُّم في ممرات المنظومة”، جملة حملت بعدًا رمزيًا قوياً لدى الرأي العام.

التواصل ومواجهة التضليل

القصة التي روتها صفحات رقمنة الرأي العام عن مقطع مقتطع أُسيء تفسيره “طلع للرباط واحتج” تعكس تحديًا أكبر من مجرد سهو أو خطأ إعلامي، إنها مثال على كيفية الاستعمال الموجّه للمقاطع لإنتاج سرديات مضلّلة. التهراوي تعامل مع هذا المطبّ بوضوح: شرحَ سياق الزيارة الميدانية، بيّنَ أن مخاطبة المسؤولين المحليين هدفها تحفيزهم على رفع الأعطاب للمركز عندما يتعذر الحل جهويًا، وأن الغاية كانت مساءلة ومحاسبة، لا تحريض. قراءة هذه اللحظة الإعلامية، وإعادة سياقها أمام الجمهور، ساهمت في نزع فتيل سوء الفهم وأظهرت قدرة الوزير على إدارة الصورة بقدرته على إدارة الميدان.

بين الرمز الوطني والبعد الإنساني

في زمن تآكلت فيه ثقة المواطن في كثير من المؤسسات واشتد فيه صوت التشكيك، جاء خطاب أمين التهراوي ليضع سلطة المعلومة والفعالية مكان الشعارات. هو وزير يذكّر بأن السياسة العمومية لا تُستعاد إلا بخطوات ملموسة: تقارير، مراقبة، مساءلة، واستثمار حكومي مترابط. وفي الوقت نفسه، شخصيته، التزامه التواصلي، عادته في شرح المعطيات بلغة يفهمها المواطن، كل هذا يمنحه بعدًا إنسانيًا يجعل من التغيير قابلاً للفهم والمواكبة من طرف الجمهور.

إذا صحّ أن الدولة تُقاس بقدرتها على استرجاع ثقة مواطنيها في أوقات الشدائد، فخرجة التهراوي على دوزيم يمكن اعتبارها بداية قصة يتوقف نجاحها على استمرار التحويل العملي للوعود إلى واقع ملموس. وفي هذا المسار، يبدو أن الوزير اختار أن يجعل من المكاشفة نهجا كفيلا بأ يثبت أن ثقة الناس تُسترد حين يُسلَّم لها الدليل لا الوعود…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التعليقات
  1. يبدو ان الصحافة المغربية اليوم تطبل متى تشاء وترسم صورة سوداء متى تشاء. لم يات السيد الوزير باي جديد. وما ذكره كان معروفا وهو كللم لا يتعدى حدود النظري حتى لا نقول “مجرد شفوي” او السماوي ككا يقال. الواقع شيء آخر…لقد وصلنا مرحلة فساد وتاخر ومعاناة اجتماعية ليس من السهل تغطيتها بالارقام والوعود في انتظار الذي ياتي ولا ياتي. سياسة خطابية.