أرقام بنك المغرب تتحدث: البنوك التشاركية تحقق 25 مليار درهم في القروض العقارية

محمد بن إدريس

تكشف آخر الأرقام والمؤشرات الصادرة عن بنك المغرب بشأن “البنوك التشاركية”، التسمية المغربية للبنوك الإسلامية، عن تطور إيجابي واضح لهذا النموذج من التمويل، الذي يمثل إضافة نوعية للنظام المالي الوطني، ويعزز التنوع المالي، ويخفف من الاحتكار البنكي التقليدي.

ففي بضع سنوات فقط، راكمت هذه المؤسسات رصيداً من القروض العقارية تجاوز 25 مليار درهم، بمعدل نمو سنوي يفوق 15%، أي بوتيرة أسرع بكثير من نظيراتها البنوك التقليدية. هذا الأداء يعكس قدرة هذا القطاع على تلبية الطلب المتزايد، وتحفيز النشاط الاقتصادي، لا سيما في السوق العقارية، ويظهر كيف يمكن للنماذج المالية البديلة أن تلعب دوراً محورياً في تنشيط الاقتصاد الوطني، ودعم مشاريع الأفراد والشركات، وتحقيق نمو مستدام في مختلف القطاعات.

ورغم هذه الدينامية، تبقى النتائج دون التوقعات الأولية التي صاغها بعض المحللين المتخصصين في التمويل البنكي. ومع ذلك، تؤكد المالية التشاركية قدرتها على استقطاب طلب كامن وغير مستثمر، عبر تقديم حلول مالية ملائمة لفئات من الزبائن ذوي الخصوصيات المحددة، غالباً ما ظلّت مهمَّشة من قبل القنوات الكلاسيكية. ويظهر من ذلك أن تنويع المقاربات المالية يوسع آفاق الولوج إلى التمويل، ويحد من حدة “الإقصاء المالي”، ما يسهم في تحقيق شمول مالي أوسع، وتعزيز القدرة الشرائية، وتحفيز النمو المحلي.

وتزداد أهمية هذه المؤشرات التي نشرها بنك المغرب في ظل الصعوبات المستمرة التي تواجهها فئات أخرى، وعلى رأسها المقاولات الصغيرة جداً، التي تشكل العمود الفقري للنسيج الإنتاجي الوطني. فهذه الأخيرة، رغم وجودها في صلب الأولويات المعلنة للسلطات العمومية – خاصة عبر إصلاحات الصفقات العمومية، وتحفيزات الاستثمار – ما تزال تواجه صعوبات في الحصول على التمويل البنكي، ما يحد من قدرتها على التوسع، وخلق فرص شغل جديدة، ويؤثر على مساهمتها في النمو الاقتصادي.

وينطبق الأمر ذاته على التعاونيات، والمقاولات الناشئة، والمبادرات ذات البعد الاجتماعي القوي، التي تجد البنوك التقليدية صعوبة في إدماجها ضمن أدوات التمويل، بسبب قيود نماذج تقييم المخاطر، مما يستدعي البحث عن حلول مالية مبتكرة، أكثر مرونة، وقدرة على التكيف مع خصوصيات هذه الفئات.

وعلى غرار المالية التشاركية، قد يكون من الأنسب ابتكار آليات مالية جديدة، مصممة خصيصاً لهذه الفئات، مع التركيز على حلول مبتكرة تجمع بين الاستدامة المالية والاجتماعية، ودعم المشاريع ذات التأثير الاقتصادي والاجتماعي الإيجابي. فالتجربة المغربية في مجال البنوك التشاركية تثبت أنه بإعادة التفكير في النماذج التقليدية، يمكن تحويل الاحتياجات المهملة إلى فرص استثمارية حقيقية، تساهم في تعزيز الشمول المالي، وتحفيز النمو الاقتصادي المستدام، ودعم الاقتصاد الوطني في مواجهة التحديات المستقبلية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *