الرياضة وحدها تملك هذه القدرة السحرية على جمع الرياضي والمؤطر والسياسي والجمعوي والمؤرخ والمثقف والصحافي والأستاذ، وغيرهم. وهذا بالضبط ما حدث، صباح الخميس، تحت قبة البرلمان، بالعاصمة الرباط، في المنتدى الدولي حول الرياضة.

ففي ثاني مرة بعد المناظرة الوطنية للرياضة، لأكتوبر 2008، يحضر فيها كل ذلك الحشد المتنوع من الفاعلين، من كل الأطياف. كنت تستطيع أن ترى الكثير من الوجوه المعروفة، بل والمشهورة، مع بعضها البعض، في مكان واحد، تحت قيادة رئيس مجلس النواب، وبحضور وزير التعليم الأولي والرياضة.

وبينما كان مدخل الرباط من جهة الدار البيضاء مزدحما، في الصباح، بفعل إصلاحات بسيطة على هامش ملعب الأمير مولاي عبدالله، الذي يبرز تحفة فنية وسط غابة أنيقة، ترد التحية ببريقها على أشعة الشمس، إثر أيام ماطرة، كان الفاعلون في الرياضة، وفي كل ما يحيط بها، يبحثون عن مكان لسياراتهم، أو عن مدخل البرلمان، لينطلقوا إلى المنتدى الدولي للرياضة.

يتعلق الأمر، بكلمات مختصرة، بحياة ثانية للمناظرة الوطنية للرياضة. فتلك الرسالة الملكية السامية، التي زلزلت القاعة الكبرى لمنتجع الصخيرات، المطل على البحر، هي التي حفزت لجنة برلمانية موضوعاتية كي تحرك المياه الراكدة، وتعيد طرح الأسئلة بخصوص الاستراتيجية الوطنية للرياضة، ولاسيما إثر القفزة الكبرى والنوعية المشهودة لكرة القدم، مقابل تراجع كبير، ومحبط، لعدد من الأنواع الرياضية الأخرى.

فأن يجلس رئيس مجلس النواب إلى جانب وزير التعليم الأولي والرياضة ورئيس اللجنة الوطنية الأولمبية ونائبة رئيس اللجنة الأولمبية الدولية، والتي هي البطلة السابقة والوزيرة على عهد المناظرة الثانية للرياضة، نوال المتوكل، فضلا عن ممثل يونيسكو، ومدير مؤسسة المغرب 2030، ورئيس اللجنة البرلمانية الموضوعاتية، في مقابل حشد من الأسماء البارزة في الحقل الرياضي والسياسي والإعلامي والثقافي والفني والعلمي والطبي، وغير ذلك، ثم لا يجد كثيرون مكانا يجلسون فيه، بل قل كوة يطلون منها على المنصة، فذلك يعني بالضرورة أن الأمر يتعلق بشأن مهم للغاية، ويتطلب تفكيرا جماعيا، وحرصا على الضبط والربط، وصولا إلى توصيات حكيمة، وذات بعد استراتيجي، سينتظم الرياضة المغربية لسنوات طويلة آتية.

كل الكلمات التي قيلت من قبل المسؤولين في المنصة، ووجدت آذانا مصغية، جاءت شبيهة إلى حد ما ببعضها، تقول الشيء نفسه تقريبا، بكلمات مختلفة، وتنويعات يتطلبها الوضع، وزاوية النظر، والخبرات المراكمة. فالجميع يتفق على أن الرياضة ضرورية لكل مواطن، أما الرياضة النخبوية فهي واحدة من الأسس الثابتة للمنظومة التي تقوم عليها بلادنا، بما هي لحام سوسيو ثقافي، فضلا عن أنها قوة ناعمة، تسهم في إشاعة صورة المغرب عبر العالم. غير أن وجه التباين كان هو مواقع الانطلاق، وتلك التي ينبغي تكثيفها، والأخرى التي ستنتظر، وما هي الغايات، وبأي آليات يمكن الوصول إلى الأهداف.

عندما ترفع رأسك شيئا ما لتتفرس اللافتة الكبيرة فوق المنصة الرسمية، تقرأ بخط أبيض جميل، على قاعدة حمراء فاقعة، تحت الرعاية السامية لصحاب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده. وتحتها بالأحمر، ببنط عريض، على قاعدة بيضاء ناصعة، المنتدى الدولي حول الرياضة، تحت شعار : نحو استراتيجية وطنية للنهوض بالرياضة”.

وتنتبه إلى أن اللافتة المضاءة تقع على قاعدة خشبية منقوشة بجمالية مغربية لا تضاهى، وفي الفوق تماما، قبة من الجبص الأبيض الذي نحتته يد صانع مغربي لا مثيل له في العالم.

وهنا تقفز إلى ذهنك فكرة أن هذا بالضبط ما تحتاجه الرياضة المغربية بالضبط، بل قل كل القطاعات الأخرى، الالتزام بالرؤية الملكية السديدة، على أن يكون المعنيون صناعا حرفيين يفهمون أنهم يمثلون مملكة عريقة، ويبدعون تحفا فنية تشبه النقش على الخشب وعلى الجبص، وغيرهما، للوصول إلى منتوج مغربي عظيم، يحظى بالتقدير العالمي، ويقال دائما: إنه المغرب، بلد الملهمين، الذين لا يعرفون مستحيلا أبدا.

* يونس الخراشي-كاتب صحفي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *