في صباحٍ أستراليٍّ هادئ كانت الشمس تنعكس على البحر والناس يحتفلون بالحياة كما ينبغي لها أن تُحتفل.

لم يكن أحمد يبحث عن مجد ولا عن صورة ولا عن اسمٍ يتردد في الأخبار، بل كان رجلًا عاديًا يمضي يومه بثقة هادئة، غير مدرك أن الأوقات الاستثنائية لا تختار إلا القلوب الاستثنائية، وأن هذا الهدوء لم يكن سوى قشرة رقيقة ستنكسر فجأة كما ينكسر الزجاج تحت الرصاصة، حين انفجر الخوف وعمّ الصراخ والهرج، فالشرّ حين يأتي لا يطرق الأبواب.

في تلك اللحظة كان بإمكان أحمد أن يهرب، أن يقول ليس شأني، أن ينقذ نفسه فقط ويمضي، لكنّه لم يفعل، لأن في داخله صوتًا أقدم من الخوف وأصدق من الغضب وأقوى من السلاح، فرأى الأبرياء من حوله، أطفالًا وشيوخًا وأناسًا لا يعرفهم، لكنهم يشبهونه في شيء واحد هو إنسانيتهم.

فتقدّم لا بخطوات بطلٍ أسطوري بل بخطوة الإنسان حين يقرر أن يكون إنسانًا، ولم يسأل عن دين ولا عن اسم ولا عن علمٍ مرفوع، بل سأل سؤالًا واحدًا فقط: هل أستطيع أن أتركهم؟ وكان الجواب لا.

اندفع أحمد، جسده قبل فكره وقلبه قبل حساباته، وفي ثانية فاصلة بين الحياة والموت انقلب ميزان القدر، لا لأنه أقوى من الرصاص بل لأن الشرّ ضعيف حين يواجه الشجاعة العارية من الكراهية، فسقط المهاجم ووقف أحمد ينزف لكنه واقف.

في تلك اللحظة، لم ينقذ يهودًا فقط ولا أستراليين فقط، بل أنقذ فكرة أن الإنسان ما زال قادرًا على حماية الإنسان، وحين سُئل لاحقًا لماذا فعل ذلك لم يقل لأنهم يهود ولا لأنني مسلم، بل قال فعله بدلًا عنه إنهم بشر، وهنا صارت القصة أكبر من اسم أحمد وأكبر من أستراليا وأكبر من حادثة.

لقد صارت رسالة تقول إن البطولة ليست في الدم بل في منع الدم، وإن الإيمان الحقيقي لا يُقاس بما تكره بل بما تحمي.

بطولة أحمد جاء لتقول لنا يُولد الأبطال الحقيقيون، لا في الأساطير، بل في الشارع، حين يختار رجل عادي أن يقف حين يركض الجميع.

*مازين بو

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *