في مقابلة حصرية مع صحيفة “لوماتان”، يشارك مصطفى التراب، الرئيس التنفيذي ورئيس مجلس إدارة مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط، رسالة المؤسسة الاستراتيجية، والتزامها تجاه إفريقيا، واستثماراتها في البحث والتعليم، ودورها في التنمية الاقتصادية والاجتماعية للمغرب.

وفي هذه المقابلة، يجمع التراب بين الرؤية الصناعية والبيئية، والتنويع، والالتزام برأس المال البشري، ليشارك القراء مفاتيح نجاح مجموعة الفوسفاط الرائدة عالميا.

ترجمة: نيروز همون/ le12.ma

1) تعد مجموعة (OCP) لاعبا عالميا رئيسيا في قطاع الفوسفاط. هل يمكنكِ توضيح رسالة المجموعة وأهميتها للمغرب وأفريقيا والعالم؟.

«يمكن تلخيص رسالتنا بالتعبير الإنجليزي “إحياء الفوسفور”. وتحمل هذه الرسالة معنيين، الأول ضمان الوصول إلى الفوسفور، وهو عنصر أساسي للأمن الغذائي العالمي، والثاني: تعزيز قيمة الفوسفور المغربي.

ويعكس هذا الالتزام المزدوج، المحلي والدولي، رغبتنا في تحسين هذا المورد بما يعود بالنفع على الفلاحين والشعوب.

إنها رسالة تلامس وجدان البلد.. ونحن ملتزمون ببذل قصارى جهدنا مع الفوسفاط، ومنحه الحياة التي يستحقها. إفريقيا قارتنا، موطننا».

2) أنتم ملتزمون جدا بإفريقيا وزراعتها. ما هي رؤيتكم؟

«إفريقيا ليست سوقا خارجية، إنها قارتنا وموطننا. وبروح التوجه الذي أطلقه صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نعمل في أفريقيا كما نعمل في المغرب، برؤية إفريقية تجاه أفريقيا.

فالروح التي نشتغل بها في القارة هي روح “البيت”، كما عبر عن ذلك جلالته بمناسبة عودة المغرب إلى الاتحاد الأفريقي بالقول “ما أجمل أن يعود المرء إلى بيته، إلى أسرته”.
وتتجلى أهمية رسالتنا في كون إفريقيا هي القارة التي تستهلك أقل كمية من الأسمدة، وبمستوى يقل بكثير عن حاجياتها.

ومن ثم، تتمثل مهمتنا في تسريع وتيرة اللحاق الزراعي للمساهمة في تعزيز الأمن الغذائي الإفريقي».

التعليم ودور البنوك

3) استثمرت (OCP) بكثافة في التعليم والبحث.. لماذا؟.

«إنها في المقام الأول قناعة راسخة.. فلا يمكن بناء صناعة مستدامة وتنافسية من دون استثمار واسع في المعرفة والابتكار. فالتعليم والبحث بالنسبة لنا ليسا أمرا ثانويا، بل ركيزة استراتيجية شأنها شأن مناجمنا أو مصانعنا. وتجسد جامعة محمد السادس متعددة التخصصات (UM6P) هذه الرؤية، حيث تؤدي دورا مزدوجا.

أولا، تعمل كذراع للبحث والتطوير داخل المجموعة. فأكثر من نصف برامجها مرتبطة مباشرة باحتياجاتنا الصناعية والزراعية والبيئية: (صيغ جديدة من الأسمدة الملائمة للتربة الأفريقية، تقنيات معالجة المياه، عمليات صناعية منخفضة الكربون، وحلول رقمية موجهة للزراعة)… إنها مختبر حقيقي للابتكار التطبيقي.

ثانيا، تمثل (UM6P) رافعة لتكوين الكفاءات وتطوير المهارات. فموجات التحول الصناعي التي نخوضها تتطلب مواكبة دائمة لرأس المال البشري.

ومن أجل ذلك أوجدنا بيئة تسمح للمهندسين والباحثين والتقنيين والمديرين بالتكوين المستمر، وصقل مهاراتهم، والانفتاح على تخصصات جديدة.

لكن هذه الطموحات تتجاوز كثيرا حاجيات (OCP) الداخلية، إذ سرعان ما فتحت أبواب الجامعة أمام طلبة مغاربة وأفارقة من مختلف المشارب، غالبا بمنح دراسية، لتصبح حاضنة للمواهب في خدمة القارة كلها.

وهذا التوجه جاء بدفعة مباشرة من صاحب الجلالة الملك محمد السادس: تأسيس جامعة في خدمة المغرب وأفريقيا، لا في خدمة (OCP) وحدها.

بالنسبة لنا، الاستثمار في التعليم والبحث يعني الاستعداد للمستقبل: مستقبل المجمع الشريف للفوسفاط والمغرب وأفريقيا. كما يعني ترسيخ رسالتنا – “إحياء الفوسفاط” – في ديناميكية قائمة على المعرفة والابتكار والتنمية البشرية.. وإننا نؤكد بوضوح، أن المجمع الشريف للفوسفاط غير قابل للخوصصة».

4) على المستوى المالي، ما دور البنوك المغربية في جمع التمويلات؟ وما هي توقعاتكم؟.

«عندما أطلقنا استراتيجيتنا الهادفة إلى دفع مجموعة (OCP) نحو أسفل سلسلة القيمة، لإنتاج ليس فقط الأسمدة بل أيضا مشتقات أخرى ذات قيمة مضافة أعلى، كنا نعلم أن ذلك سيتطلب استثمارات ضخمة.

وقد انخرطنا بالفعل في موجتين كبيرتين من الاستثمار. صحيح أن جزءا من هذه التمويلات جرى تعبئته عبر الأسواق الدولية، غير أن نسبة مهمة جاءت من السوق البنكية المغربية.

وكان ذلك خيارا استراتيجيا، إذ أن (OCP) غير قابلة للخصخصة، ولذلك حرصنا على تعبئة تمويل متين من خلال نظامنا البنكي الوطني.

ويمكنني القول إننا كنا محظوظين بامتلاك سوق بنكي داخلي عالي المستوى، قادر على مواكبتنا في هذه الطموحات. والأكثر من ذلك، أن بعض البنوك المغربية شاركت في اكتتاب إصداراتنا الدولية، وهو ما أعتبره تعبيرا عن الثقة وعملا من (patriotisme économique) “وطنية اقتصادية”.

هذا الدعم يبرهن على أن البنوك المغربية تؤمن بصلابة مجموعة (OCP) وبوضوح رؤيتها. وجدير بالتذكير أن المغرب، منذ الاستقلال، اختار بناء نظام بنكي قوي بدلا من الاعتماد على سوق رساميل متقلبة.

ورغم أن هذا الخيار تعرض أحيانا للانتقاد، فإنه أثبت وجاهته بشكل كبير.. فقد كانت بنوكنا هي الضامن للاستقرار المالي الذي تستفيد منه اليوم الاقتصاد المغربي، مدعومة ببنك مركزي تحظى مصداقيته باعتراف دولي».

“النية” والركراكي

5) لقد كنتم السباقين إلى تبني مفهوم “النية” قبل أن يشتهر لاحقا على لسان مدرب أسود الأطلس. كيف يعاش هذا المفهوم ويطبق داخل حوكمة مجموعة (OCP)، سواء في طريقة التفكير أو في العلاقات مع المتعاونين والموردين والزبناء؟.

«الـ “نية” تبدأ من قناعة راسخة بأن صدق النية قوة، وليست سذاجة كما يعتقد أحيانا.

وهذا هو النهج الذي نسعى إلى غرسه في متعاونينا، وأيضا في المنظومة المحيطة بنا التي ما تزال في طور البناء. نحن اليوم في خضم انتقال من نموذج قائم على المناولين أو مقدمي الخدمات، إلى منظومة متكاملة تحمل بدورها حلولا لم يكن بإمكاننا تطويرها داخليا.

وفي هذا الإطار، نعمل مع عدة شركاء على إرساء آليات تمويل مبتكرة لدعم هذه المنظومة. وبحلول نهاية السنة، ستخصص لها ندوة كبرى يعلن خلالها عن إحداث صناديق استثمارية موجهة.

وبالعودة لمفهوم “النية”، أريد أن أشير إلى أنه يعني أيضا الإيمان بأنه عندما نتقاسم هذه الفلسفة مع منظومتنا، يمكننا أن نجرؤ أكثر ونمضي أبعد معا.

كما عبر عن ذلك وليد الركراكي بعبارة جميلة: “مع الدعم اللا مشروط للجماهير والنية، قد يصطدم الكرة بالقائم ثم تدخل المرمى، وفي الحالة المعاكسة قد ترتد خارجه. أحيانا، حسن النية عامل حاسم”.

أتذكر تجربة مؤثرة قبل نحو عشرين سنة، خلال أول زيارة لي إلى منجم خريبكة. إذ جاءني سائق جرافة وقال لي: “سيدي، إذا اتبعت من لا يتحدثون سوى عن ثروة الفوسفاط، فسنمضي نحو الكارثة.

لكن إن أدركت أن الثروة الحقيقية والأثمن التي نملكها هي مواردنا البشرية، عندها سنربح جميعا”.. لقد تركت هذه العبارة أثرا عميقا في نفسي، لأنها تلخص تماما رؤيتنا: أغلى ما نملك في (OCP) هو نساؤها ورجالها.

ونحن نعمل اليوم مع عدة شركاء لوضع آليات مالية مبتكرة لدعم منظومة (OCP) على أن تخصص لها مع نهاية السنة ندوة كبرى يتم خلالها إطلاق صناديق استثمارية موجهة».

الرياضية ودعم مونديال 2030

6) يشارك المغرب في استضافة كأس العالم لكرة القدم 2030. ما هو الدور الذي يمكن أن يلعبه (OCP)؟.

«لقد كنا منذ وقت طويل منخرطين في الرياضة، لا سيما من خلال دعم الأندية الرياضية في خريبكة، والجديدة، واليوسفية، وغيرها. لكننا رغبنا في جعل هذا الالتزام أكثر احترافية.

وفي هذا السياق، أنشأنا داخل جامعة محمد السادس متعددة التخصصات الهيكل (EVO Sport)، بالتنسيق مع الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم.

والهدف هو هيكلة المنظومة الرياضية المغربية بشكل مستدام، وتعزيز رؤية تجعل من الرياضة رافعة للتنمية البشرية والاجتماعية والاقتصادية.

كما نسعى إلى احترافية هذا المجال بدءا من الأساس الضروري، وهو تكوين اللاعبين. فقبل عام، وقعنا على إنشاء صندوق مخصص لهذه المهمة.

ونعمل أيضا على تكوين الأطقم الإدارية والتقنية، بما في ذلك المدربين، لأن كرة القدم المستدامة تقوم على مهارات قوية على جميع المستويات.

وعلى مدار كل عام، نقدم دعما للفريق الوطني بالتعاون مع مؤسسات أخرى. وما يمكن (OCP)، تقديمه بما يتوافق مع هويتها الجوهرية ليس بناء البنيات التحتية مثل الملاعب، بل الاستثمار في الموارد البشرية وفي العمل الجماعي والمجهود المشترك».

7) ما هي الإنجازات التي تجعلك أكثر فخرا؟

«بدون تردد، هم متعاونونا. عندما توليت قيادة (OCP) لم تكن الوضعية المالية سهلة، وكانت الشركة قد توقفت عن التوظيف.

ووجدنا أنفسنا أمام هرم سكاني مقلوب: فقد كان نحو ثلثي المتعاونين فوق سن الخمسين، وكانوا على وشك التقاعد في الأفق القريب. وكان لزاما التحرك بسرعة لتجنب إضعاف هيكلي في فرقنا.

وخلال السنوات الخمس الأولى، أطلقنا خطة توظيف واسعة، ضمت ما بين 5,000 و6,000 شاب وموهبة جديدة.

وقد أحدث هذا التجديد الضخم تحولا كاملا في هيكلنا التنظيمي: فقد انخفض متوسط العمر إلى 35 سنة، مما أضفى طاقة جديدة ونفسا من الابتكار في جميع أرجاء المؤسسة.

ومن هنا نمت أيضا فكرة إنشاء جامعة محمد السادس متعددة التخصصات، لمواكبة هؤلاء الشباب وتكوينهم على المدى الطويل».

8) وكيف سيبدو شكل (OCP) في عام 2050؟.

«عندما نتخيل (OCP) بحلول عام 2050، نتصور ذلك من خلال المهمة التي تحركنا: منح الفوسفاط المغربي المكانة التي يستحقها على الساحة العالمية.

ومع امتلاكنا لما يقرب من 70 في المائة من الاحتياطيات العالمية من أفضل جودة، تكمن طموحاتنا في جعل (OCP) سفيرا حقيقيا للمغرب، يرفع رايتنا من خلال إنتاج الأسمدة والمساهمة في الأمن الغذائي حيثما دعت الحاجة.

لكن هذه الرؤية تترافق مع تنويع استراتيجي. فمثلا، إنشاء جامعة محمد السادس متعددة التخصصات يعد تجسيدا لهذا التوجه، كما أن انخراطنا في مجالات جديدة أساسية لنشاطنا يأتي في نفس السياق.

وقد يتساءل البعض: لماذا تتواجد (OCP) في قطاع المياه؟ الجواب بسيط: من الضرورة. ففي فترات الجفاف، واجهتنا انقطاعات في التزويد بالمياه، مما دفعنا لتطوير قدراتنا الإنتاجية الخاصة لتجنب الاعتماد على الموارد الموجهة للمستخدمين الآخرين.

وينطبق الشيء نفسه على الطاقة، فقد كانت (OCP) غالبا من بين أوائل الشركات التي تقطع عنها الكهرباء في أوقات الضغط على الشبكة. لذلك، استثمرنا بشكل كبير لضمان استقلاليتنا وضمان استمرارية إنتاجنا.

هذا التنويع – في التعليم، والمياه، والطاقة، وكذلك في مشتقات أخرى للفوسفاط – ليس مجرد خيار استراتيجي، بل ضرورة لتأمين مهمتنا ومنح الحياة للفوسفاط المغربي، خدمة للمغرب والعالم».

9) كلمة أخيرة؟

«الرسالة الأهم بسيطة.. أعظم ثروة للمغرب هي نساؤه ورجاله. فكل شيء يبدأ من رأس المال البشري، وكل شيء يعود إليه».

*أجرى الحوار محمد الهيثمي لفائدة جريدة «لوماتان»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *