في خضمّ العاصفة التي أثارتها تسريبات المجلس الوطني للصحافة، تحوّل النقاش من سؤالٍ مؤسِّس يتعلق بالأخلاقيات المهنية وشفافية القرارات داخل مؤسسة دستورية، إلى حملة افترائية استهدفت فاطمة الإفريقي الصحافية المعروفة بنزاهتها واستقلاليتها.. 

فما تتعرّض له الزميلة فاطمة الإفريقي اليوم ليس مجرد “نقاش حاد” كما قد يصفه البعض، بل هو محاولة منهجية لاغتيال الاختلاف، ومعنى الصحافة نفسها. فالافتراء ليس رأيًا، والتشويه ليس وجهة نظر، واستهداف الأشخاص بدل مناقشة الأفكار هو انحدار أخلاقي لا يمكن قبوله تحت أي ذريعة.

قضية التسريب الذي وقع، مسألة مؤسساتية دقيقة، والاختلاف في الرأي حولها فضيلة ديمقراطية ورحمة لمهنة النبل، وإن كنت أختلف مع فاطمة في شكل تناول القضية، إلا أن ما أثارته لا يخرج عن جوهر النقاش ولا يتستر عما وقع داخل لجنة الأخلاقيات.

لذلك أؤكد أن فاطمة الإفريقي ليست “القضية”… القضية هي الشفافية.. هي أخلاق النقاش ذاتها.

من يعرف مسار فاطمة الإفريقي يدرك أن صوتها، سواء أحببناه أو اختلفنا معه، كان دائمًا منحازًا لقيم الحرية والمسؤولية، وتحويلها إلى “فاعل خفي” في ملف متشعب هو أسلوب غير أخلاقي، وتحريض يغيب عنه الحدّ الأدنى من المهنية، هذه ليست حرية رأي، إنه تضليل. 

الاختلاف في التقدير مشروع، وانتقاد المواقف مشروع، لكن اعتبار الشخص “مذنبًا” دون قرينة هو نكوص خطير عن أصول العدالة التي نطالب بها للمجلس نفسه! كيف نطالب المجلس الالتزام بأخلاقيات المهنة بينما نحلّل لأنفسنا خرق أبسط قواعدها؟.

كان يفترض أن يشكل التسريب لحظة تأسيسية لإعادة التفكير في شروط العمل داخل المجلس، ضمانات الاستقلالية، مساطر التأديب، آليات التحصين المؤسسي وحدود السرّية والأخلاق… 

لكنّ كل ذلك ضاع وسط ضجيج الاتهامات المجانية.

إنّ الدفاع عن فاطمة الإفريقي ليس انحيازًا لشخصها، بل انحيازٌ لمبدأ الحق في عدم التشهير، في عدم الافتراء، في أن يُناقش المرء بناء على أفكاره لا على حملات مدفوعة بالانفعال أو الحسابات الصغيرة. غدًا قد يكون شخص آخر في موقع الاستهداف، وغدًا قد يتحول الاختلاف المهني إلى «محاكم تفتيش» رقمية أكثر شراسة من أي مؤسسة رسمية.

إنّ الدفاع عن فاطمة الإفريقي اليوم هو دفاع عن حرية التفكير، عن الحق في النقد، وعن كرامة النقاش العام الذي يُفترض ألا يخضع لابتزاز الافتراء.

عبد لعزيز كوكاس- كاتب صحفي  

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *