إعداد: عبدو المراكشي

هي أسماء كثيرة حلّقت بعيدا عن أرض الوطن لتصنع تاريخها في المهجر. من الرياضة إلى السياسة، فالثقافة والبحث العلمي والاقتصاد وعلم الاجتماع.. أسماء لمعتْ في شتى الميادين، فرّقتها الجغرافيا ووحّدها اسم المغرب.. ونقدّم لكم لمحة عن بعضهم في هذه الفسحة الرمضانية.

 

في يوم 19 شتنبر 2013 ترجّل حميدو بن مسعود عن صهوة الحياة. ودّع الفن والسينما والأضواء، قال وداعا للحياة.

بدأت حياة حميدو (Amidou) بن مسعود يوم ثاني غشت 1935 في العاصمة الرباط. والتحق حميدو بفرقة مسرحية تابعة لإذاعة “راديو ماروك ” في مطلع خمسينيات القرن الماضي، تحت إشراف عبد الله شقرون. واستطاع حميدو، برفقة شقرون ومجموعة من الممثلين المغاربة الشباب آنذاك (أمينة رشيد وحمادي عمور وحمادي التونسي والطيب الصديقي) من الوقوف لأول مرة أمام كاميرا السينما كممثل في الفيلم الفرنسي المغربي -المصري المشترك “طبيب رغم أنفه”، المقتبس سيناريوه عن مسرحية لموليير. وقد صُورت مشاهد هذا الفيلم الداخلية في أستوديوهات السويسي في الرباط، والخارجية في دار السلام وحدائق الوداية، وأخرجه الفرنسي هنري جاك في 1955.

يمثل مسار حميدو بن مسعود قصة نجاح فني استثنائي، بدأ أول فصوله بعدما حط الرحال وهو ابن الـ17 بالعاصمة الفرنسية. هناك ستابع دراسته في المعهد العالي للتمثيل، ما كان يعد آنذاك إجراء استثنائيا بالنسبة إلى الأجانب.

لكنّ حميدو لم يتأخّر في إبهار معارضي تسجيله في المعهد، فقد حاز المركز الأول في دفعته. تبعا لذلك، لم يكن أمام الفرنسيين -تطبيقا لعرف جارٍ به العمل- إلا قبول انضمام حميدو إلى الفرقة القومية للمسرح. اشتغل بن مسعود مع هذه الفرقة ثماني سنوات وأدى برفقتها أدوارا من الدرجة الأولى، أولُها مسرحية من تأليف الكاتب الفرنسي الشهير جان جيني عن حرب الجزائر..

وسيُكتب فصلٌ آخر في مسار بن سعود خلال تعاونه “الطويل” مع المخرج كلود لولوش. ولم يكن يفوٌت فرصة لاستحضار تلك التجربة رغم أنه قدم أكثر من 50 فيلما أجنبيا. وكان يفتخر بمسيرته برفقة هذا المخرج، الذي كان، إلى جانب جون بول بيلموندو، فنانيه المفضلَين.

وقدّم بن مسعود مع لولوش أفلاما شهيرة، مثل فيلم “الحب.. الحياة.. الموت” (وحصل بن مسعود بفضله على جائزة أحسن ممثل في مهرجان ريو دي جانيرو) و13 فيلما، آخرها “والآن سيداتي سادتي”.

كان أول فيلم شارك فيه حميدو مع لولوش هو “تفرد الإنسان” (1960) وآخرها “والآن سيداتي سادتي” (2001) الذي صُورت بعض أجزائه في فاس، إضافة إلى أفلام أخرى لمخرجين فرنسيين أمثال أليكساندر أركادي وروجي هنان وفيليب دو بروكا وجورج لوتنر وآخرين.

وفوق فيلموغرافيته الفرنسية (أكثر من 50 فيلما سينمائيا) ستضاف إلى ريبرطواره أفلام أمريكية عديدة، لعل أشهرها “قافلة الخوف” (1977) و”جحيم الواجب” (2000) لوليام فريدكين و”لنا النصر” (1981) لجون هيوستون و”لعبة الجواسيس” (2001) لطوني سكوت.

كما شارك في أفلام ألمانية وإيطالية ومغاربية، منها “شمس الربيع” (1969) للطيف لحلو و”شامبانيا مرة” (1986) لرضا الباهي (من تونس) و”للاحبي” (1996) لمحمد عبد الرحمان التازي و”قصة حب” (2002) لحكيم نوري و”لا هنا لا لهيه” (2004) لرشيد بوتونس و”هنا ولهيه” (2004) لمحمد إسماعيل و”أركانة” (2007) لحسن غنجة و”موسم لمشاوشة” (2009) لمحمد عهد بنسودة.

كما كانت مشاركته في فيلم “رونين” (1998) لجون فرانكنهايمر إلى جانب النجمين الأمريكي روبير دي نيرو والفرنسي جون رينو (Lion) وفي فيلم “لعبة الجواسيس” (2001) لتوني سكوت، مع النجمين روبرت ريدفورد وبراد بيت، محطتين متميزتين في محطته القنية طالما أبدى افتخاره بهما.

وسجّل بن مسعود اسمه كذلك في هوليود، إذ أدى في أفلام لمخرجين كبار، منها “جحيم الواجب”، لوليام فريدكين، و”لنا النصر”، لجون هيوستون.

صنع بن مسعود في باريس مجده السينمائي وأعلن نفسه اسما فنيا لامعا في سماء أضواء عاصمة الأنوار. وفي عاصمة الأنوار سيفارق بن مسعود الحياة، بعد 78 سنة قضى منها فترة طويلة في دروب الفن ليكرّس نفسه كأول ممثل مغربي يبلغ درجة “العالمية” بفضل مشاركات متفاوتة كما وكيفا في أفلام عالمية، فرنسية وألمانية وأمريكية.

ورغم أنّ حميدو، شأنه في ذك شأن المصري عمر الشري، قد “حوصر” وأُسندت إليه أدوار “نمطية” في غالب التجارب العامية التي شارك فيها، بالنظر إلى سحنته وربما انتمائه، فقد كانا الفنانين العربيين الوحيدين اللذين استطاعا تجاوز الحدود وصناعة اسم له وزنه في السينما الأنجلوساكسونية، بالنسبة إلى عمر الشريف، وفي السينما الفرنسية أساسا بالنسبة إلى “حميدو”.

حظي الفنان “حميدو” بتكريم في المهرجان الدولي للفيلم بمراكش، في دورته الخامسة رفقة المخرج الأمريكي مارتن سكورسيزي والإيراني عباس كيروستامي. كما كرّمه مهرجان الإسكندرية لدول حوض المتوسط في دورته الـ28. وكذلك كان الشأن في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي ومسقط العماني.

وفوق المسرح والسينما، اللذين كان لهما النصيب الأوفر في تجربة حميدو الفنية، فقد شارك في أعمال تلفزيونية، الفرنسية والمغربية، التي شخص فيها أدوارا متفاوتة القيمة، منها على سبيل المثال “علي بابا والأربعون لصا” لبيير أكنين و”بن بركة… المعادلة المغربية” لسيمون بيطون و”مليكة ” لرشيدة كريم و”عائشة ” ليمينة بنكيكي و”رأس العين” للراحل محمد لطفي و”المطاردة” لليلى التريكي.

وسبق لحميدو أن اشتغل، أيضا، في دبلجة الأفلام الهندية إلى الدارجة المغاربية رفقة مجموعة من الممثلين الجزائريين والتونسيين والمغاربة، الذين كانوا طلبة في باريس أواخر الخمسينيات، إلى جانب إبراهيم السايح وعبد الله المصباحي وغيرهما.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *