إعداد: عبدو المراكشي
هي أسماء كثيرة حلّقت بعيدا عن أرض الوطن لتصنع تاريخها في المهجر. من الرياضة إلى السياسة، فالثقافة والبحث العلمي والاقتصاد وعلم الاجتماع.. أسماء لمعتْ في شتى الميادين، فرّقتها الجغرافيا ووحّدها اسم المغرب.. ونقدّم لكم لمحة عن بعضهم في هذه الفسحة الرمضانية.
مع ضيف حلقة الليلة سنحلق، مجددا، في سماء الأدب المغربي الناطق بالفرنسية.
في أبريل 2007، توفي في فرنسا عن عمر ناهز الواحدة والثمانين ونُقل جثمانه إلى المغرب ليدفن في الدار البيضاء..
ولد صاحب مؤلفات عديدة لعل أشهرَها “الماضي البسيط” (1945) في 15 يناير 1926 في الجديدة، ومنها حلّق نحو ضفاف العالم الآخر، ليكتب بلغة أخرى.

هاجر إدريس الشرايبي (الذي مثّل بعض “الأنتليجينسيا” المغربية في الفترة الكولونيالية) إلى فرنسا قصد استكمال دراسته في مجال الكيمياء.. لكنّ الرياح سارت بما لاتشتهي سفينته، فحادت به ع مسارات الإبداع الأدبي وميدان الصحافة.
في فرنسا، سيُنتج الشرايبي لراديو “France culture” (فرنسا الثقافية) العديد من البرامج الإذاعية. كما سيتعرف العديدَ من الأدباء. وهناك أيضا درّس مادة “الآداب المغاربي” في جامعة “لافال ـ كيبيك”، قبل أن يتفرغ للإنتاج الروائي والأدبي.
كانت بداية شهرة إدريس الشرايبي بعملين روائيين هما “الماضي البسيط” (Le passé simple) الذي أصدره في
1954 ورواية “التيوس” (Les boucs) في 1955. وأثار هذا العملان الروائيان جدلا واسعا فيالمغرب المستعمَر..
في “le passé simple” (الماضي البسيط) تحدّث الشرايبي عن تمرد شاب مغربي بورجوازي على كل أنواع السلَط، الرّمزية والمادية، التي يجسدها الأب (الفقيه). كما ندد هذا الشاب بالتناقضات الصارخة بين تعاليم القرآن الكريم السمحة والنفاق الاجتماعي داخل أوساط المسلمين.
وفي “التيوس” (روايته الثانية) انتقد إدريس الشرايبي طبيعة العلاقة بين الدولة الفرنسية والمهاجرين المغاربيين، على الخصوص، الذين يتم استنزافهم في أبشع صور الاستغلال الإنساني. وعُدّت هذه الرواية أول عمل يثير، بطريقة دقيقة وصادمة، مستقبل المستعمرات الفرنسية في الشمال الإفريقي.

تلقّى الشرايبي تعليمه في الكُتّاب في مسقط رأسه، ثم انتقل إلى الدار البيضاء لمتابعة دراسته في ثانوية ليوطي. بعد ذلك، سافر إلى فرنسا في 1946م ليدرس الكيمياء. وخوٌل له ذلك دخول تاريخ المغرب المعاصر كأول مهندس مغربي يحصل على دبلوم الدراسات العليا في الهندسة الكيميائية، وتحقق له ذلك في 1950.
لكنّ الشرايبي سرعان ما سيشعر بالملل من وظيفة “المهندس”، فتركها ليتابع دراسات متقطعة في الطب النفسي. ثم أخذ، في سبيل تأمين معيشته، يعمل في عدد من المهن المتواضعة دون أن يستقر على حال.. وهكذا عمل حارسا ليليا وحمّالا فعاملا في مصنع، ثم مدرّسا للغة العربية ومنتجا في الإذاعة الفرنسية، وأيضا مدرّسا للأدب المغربي في جامعة “لافال” الكندية.
عشق الشرايبي السفر والترحال دوما، لكنه انتهى مقيما في فرنسا.. لكنّ المسافات لم تحل بينه وبين حب وطنه، الذي حمله معه في وجدانه وأحاسيسه حيثما حلّ وارتحل. وانضمّ إلى اتحاد كتَّاب المغرب في 17 ماي 1961.
في فترة لاحقة سيجذبه العمل الصحافي والأدب، ثم تفرغ للكتابة والإبداع الأدبي في القصة والرواية منذ الخمسينيات. فحقق ريادة في عدة مستويات. فقد صُنّف ضمن المغاربة الأوائل الذين كتبوا بلغة “المستعمِر” (الفرنسية) بعد عبد القادر الشطي، الذي أصدر في 1932 رواية “موزاييك”. لكن الشرايبي لم “ينجرف” مع تيار إرضاء الآخر عن طريق التصوير “الفلكلوري” للواقع المغربي، كما فعل بعض أبناء جيله أو كثيرون.

كما يعد الشرايبي أحد مؤسسي الرواية المغربية، والشاهدُ على ذلك روايته “le passé simple” (الماضي البسيط). وكان أيضا سباقا إلى كتابة الرواية البوليسية من خلال “المفتش علي”. ويعد الشرايبي واحدا الكتاب الذين حظيت أعمالهم بإقبال كبير من القرَّاء في العالم الناطق بالفرنسية،
أكثر من ذلك، ظلت روايته “الماضي البسيط” (1954) تحافظ على ارتباط قوي بالكاتب ودُرّست في عدة جامعات، رغم “ردود الفعل” التي قابلها بها أغلب المثقفين المغاربة، بخلاف الفرنسيين، الذين استقبلوها بالاحتفاء والاهتمام. وأُنجزت عن أدب الشرايبي العديد من الدراسات النقدية في كل من المغرب وفرنسا وبلجيكا والجزائر، وتُرجمت أعماله إلى لغات كثيرة عبر العالم.

منذ خمسينيات القرن الماضي وحتى وفاته، تَواصل إنتاجه الغزير، ليحصل بفضل أعماله الأدبية على جوائز أدبية مرموقة، منها جائزة إفريقيا المتوسطية على مجموع أعماله في 1973 وجائزة الصداقة الفرنسية -العربية في 1981، ثم جائزة مونديللو على ترجمته لكتاب “ولادة في الفجر” في إيطاليا.
اشتهر إدريس الشرايبي بـ”الكاتب المزعج” بسبب أسلوبه الساخر وتناوله العميق للمواضيع التي يختار الاشتغال عليها في أعماله. طبع أسلوبَه شغب جميل وجرأة، بلغة ساحرة وعميقة تشد إليها القارئ، لغة واصفة تضمّ الفكرة إلى الجمال وتمزج الإبداعيَ بالفكري والاجتماعي والسياسي والتاريخي. كما امتلك قدرة على إثارة فضول القرَّاء وانتقاداتهم القوية، بفضل ما ميّز كتاباته الروائية من جرأة فكرية وأدبية ونقد قوي وقاس للمجتمع وعاداته وتقاليده ولما قال عنه إنه ركود وجمود ثقافي غير مسوَّغ. لكنه في المقابل، كان محل انتقاد بعد صدور روايته الأولى “الماضي البسيط” بسبب تبنّيه وجود “أثر إيجابي للاستعمار المقترن بأفكار أوربية جديدة، قادر على أن يسهم في نهضة المغرب وتقدّمه.
وفي الوقت الذي استقبل النقاد الفرنسيون الرواية بترحاب كبير، اتّهم بعض المغاربة الشرايبي بـ”خيانة” لبلده. ورفض هؤلاء المنتقدون نقده اللاذع للمجتمع “التقليدي”، وإن كان أحمد المديني قال إن إدريس الشرايبي لم يذنب إلا في عُرف من “سطّحوا” الأدب منذ فجر الاستقلال..
انتظر الشرايبي سنوات طويلة، وتحديدا 13 سنة، كي تخصّص له المجلة الثقافية “أنفاس”، التي كان يديرها الشاعر عبد اللطيف اللعبي بين سنتي 1966 و1971، عددها الأول، كرد اعتبار له لدى نخبة مثقفة كانت تفضّل الغرب الغازي على مقاومة المحافظة والاستبداد السياسي الذي بدت ملامحه في ذلك الوقت في المغرب.

وفي وقت لاحق، حاول الشرايبي أن “يُخفف” لغته اللاذعة وكتب روايات قرّبته أكثر من المغاربة، منها “إرث مفتوح”.
في إعادة قراءة لمجمل أعماله، كتبت صحيفة “لوموند الفرنسية” إن “الشرايبي نقل الأدب المغربي إلى عصر الحداثة”، مشيرة إلى أن روايته “الماضي البسيط” لا تزال حتى اليوم موضوع عدد كبير من الأطروحات الجامعية.. رغم مرور أكثر من نصف قرن على صدورها.
وهذه لائحة بأشهر أعماله الأدبية:
1 – الماضي البسيط (غاليمار 1954)
2 – الحمار (غاليمار 1956)
3 – من كل الآفاق (1958)
4 – الجمهرة (1961)
5 – إرث مفتوح (غاليمار 1962)
6 – صديق سيأتي لرؤيتك (1967)
7 – الحضارة أمي (غاليمار 1972)
8 – موت في كندا (1975)
9 – مولد في الفجر (1986م)
10 – أم الربيع (1995)
11 – رجل الكتاب (1995)
12 – المفتش علي والمخابرات الأمريكية (غاليمار 1995)
13 – أم الربيع (سوي 1995)
14 – المفتش علي (دونويل 1996)
15 – قرأ، سمع، شاهد (دونويل 1998)
16 – تحقبق في البلد (سوي 1999)
17 – العالم التائه (دونويل 2001)
18 – العالم جانبا والرجل القادم من الماضي (2004).
