يعكس استمرار حكومة عزيز أخنوش في تبني سياسات داعمة للتشغيل والدخل والقدرة الشرائية، التزام الدولة بتعزيز الشمول الاقتصادي والاجتماعي، وتحويل سوق الشغل من مجرد قوة عاملة إلى محرك فعلي للنمو يقوي أسس الدولة الإجتماعية.

محمد ابن إدريس

خلق فرص الشغل في حد ذاته ليس غاية، بل يكتسب معناه الحقيقي فقط عندما يتحول إلى مصدر دخل فعلي يغذي الاستهلاك، ويشجع الادخار، ويسهم في دفع عجلة نمو اقتصادي حقيقي قائم على الطلب الداخلي.

رغم أهمية نشر بيانات سوق العمل من طرف المندوبية السامية للتخطيط، فإن التركيز التقليدي على مؤشرات مثل معدل البطالة أو معدل النشاط، مع تفصيلها حسب العمر أو الجنس أو الجهة، لا يكشف سوى جزء من الصورة.

فالانتباه إلى طبيعة الوظائف نفسها يعكس واقعًا أعمق وأكثر دلالة على دينامية الاقتصاد الوطني.

المذكرة الأخيرة للمندوبية السامية للتخطيط الخاصة بالربع الثاني من سنة 2025 سجلت تراجعًا طفيفًا في معدل البطالة من 13,1 بالمائة إلى 12,8 بالمائة.

لكن الأرقام الأكثر أهمية تتعلق بنوعية الوظائف، حيث فَقَدَ السوق خلال الأشهر الستة الأولى نحو 126 ألف وظيفة بدون أجر مقابل خلق 132 ألف وظيفة بأجر.

لفهم هذه الدينامية، يجدر التوضيح:

– الوظائف بدون أجر: هي أعمال لا يحصل صاحبها على دخل نقدي مباشر، مثل المساعدة في الحقول الزراعية العائلية أو في المتاجر أو الورشات العائلية. 

توفر هذه الوظائف نشاطًا لكنها لا تعزز القدرة الشرائية ولا تحرك الاستهلاك.

– الوظائف بأجر: هي تلك التي يتقاضى فيها العامل أجراً منتظماً، وتمكنه من تحسين دخله والمساهمة في الاقتصاد من خلال الاستهلاك والادخار.

وعلى امتداد سنة 2024، تأكد هذا التحول بخلق صافي بلغ 309 آلاف وظيفة بأجر مقابل فقدان 221 ألف وظيفة بدون أجر، ما يشير إلى بداية تحول نوعي في سوق العمل المغربي: من تشغيل لمجرد الانشغال إلى تشغيل مولّد للدخل والاستهلاك ويغذي الاقتصاد. 

ويساهم في هذا التوجه النهج الذي اعتمدته حكومة عزيز أخنوش من خلال إجراءات دعم الاستثمار، وتعزيز التشغيل، وتشجيع الإدماج المهني للشباب والنساء، وتحسين ظروف العمل، وهو ما ساعد على تسريع دمج القوى العاملة في سوق الوظائف بأجر.

يحمل هذا التوجه دلالات مهمة على عدة مستويات:

– القدرة الشرائية والاستهلاك الداخلي: إن ارتفاع أعداد الوظائف بأجر يزيد الدخل المتاح للأسر بشكل ملموس، مما يرفع الطلب على السلع والخدمات ويعزز دوران عجلة الاقتصاد المحلي.

هذا التأثير يتجاوز مجرد تحسين مستوى المعيشة ليشمل دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة وتحفيز النشاط التجاري في مختلف القطاعات، ما يسهم في تعزيز الاستقرار الاقتصادي على المدى المتوسط.

– تشجيع الادخار والاستثمار: الدخل الإضافي من الوظائف بأجر يمنح الأسر القدرة على الادخار والاستثمار، ما يخلق موارد مالية داخلية يمكن استخدامها في تمويل مشاريع مستقبلية، ويعزز السيولة الاقتصادية، ويدعم الاستثمارات المحلية، ويقوي أسس النمو المستدام.

كما أن الادخار الأسري المتزايد يساهم في تقليل الاعتماد على القروض، ويعطي مرونة أكبر للاقتصاد في مواجهة الأزمات المحتملة.

– تقليص الهشاشة الاجتماعية: دمج القوى العاملة بدون أجر في منظومة الوظائف بأجر يقلل من الفوارق الاجتماعية ويحد من الفقر، خاصة في الوسط القروي والمناطق المهمشة.

هذا التحول يتيح فرصًا أفضل للوصول إلى الخدمات الأساسية مثل التعليم والرعاية الصحية، ويعزز الإدماج الاجتماعي والاقتصادي، ما ينعكس إيجابياً على الاستقرار المجتمعي ويحد من مظاهر الهشاشة.

ورغم هذه الإشارات الإيجابية، تظل التحديات قائمة، مثل جودة الوظائف بأجر والفوارق الجهوية بين المدن الكبرى والمناطق الداخلية، حيث أن بعض الوظائف بأجر لا تزال محدودة الأجر أو موسمية، ما يقلل من أثرها الاقتصادي الكامل.

كما يبقى رفع مستوى الكفاءات وتأهيل العمال لمتطلبات السوق الحديثة أحد التحديات الأساسية لضمان استدامة هذا التحول النوعي في سوق الشغل.

في النهاية، يكشف تحليل الأرقام أن ما يهم الاقتصاد ليس فقط عدد الأشخاص الذين يعملون، بل عدد من يعيشون فعليًا من عملهم، وهو المؤشر الأكثر مصداقية لقياس حيوية سوق العمل وقدرة الاقتصاد المغربي على تحقيق نمو مستدام.

كما يعكس استمرار حكومة عزيز أخنوش في تبني سياسات داعمة للتشغيل والدخل والقدرة الشرائية، التزام الدولة بتعزيز الشمول الاقتصادي والاجتماعي، وتحويل سوق الشغل من مجرد قوة عاملة إلى محرك فعلي للنمو يقوي أسس الدولة الإجتماعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *