المتأمل في هذه المغالطات يجد أنها قد تكون لأسباب مختلفة، منها استغلال الكارثة لأهداف سياسية ومحاولة التشويش على الجهود الحكومية. والبحث عن الشهرة على منصات التواصل الاجتماعي.

*جريدة 12

بمنأى عن منطق المقارنات المجانية بين الدول، فإن المغرب ملكا وحكومة وشعبا أثبت تميزه في تدبير تبعات كارثة زلزال الحوز، الذي خلف في مثل هذا الشهر من سنة 2023 أزيد من 2900 قتيل و5500 جريح، أغلبهم في أقاليم الحوز و‌تارودانت و‌شيشاوة، كما تضررت جرّاءه العديد من المباني والمعالم التاريخية بكُل من مدن مراكش و‌تارودانت و‌أكادير و‌ورزازات، حيث حقق حصيلة جد إيجابية في عملية إعادة الإعمار.

وقد شاهد العالم خلال هذه المناسبة الطارئة والأليمة، كيف بادر اﻟﻣﻠك ﻣﺣﻣد اﻟﺳﺎدس يوم اﻟﺳﺑت 9 شتنبر 2023 إلى عقد ﺟﻠﺳﺔ ﻋﻣل ﺑﺎﻟﻘﺻر اﻟﻣﻠﻛﻲ في اﻟرﺑﺎط ﺧﺻﺻت ﻟﺑﺣث اﻟوﺿﻊ ﻓﻲ أﻋﻘﺎب اﻟزﻟزال، الذي اعتُبر الأقوى والأكثر دموية في تاريخ المغرب الحديث منذ سنة 1960، وكيف تدخلت الحكومة بشكل عاجل فوري في المناطق المتضررة، وشرعت بالسرعة والنجاعة اللازمتين في تنزيل برنامج إعادة البناء والتأهيل العام فيها، وكيف هب المغاربة من مختلف مناطق المملكة إلى نجدة إخوتهم منكوبي الزلزال.

إنّ زلزال الحوز الذي كان ثاني أكثر الزلازل فتكا على الصعيد الدولي في سنة 2023، بعد زلزال تركيا وسوريا، أظهر بالملموس قدرة الحكومة على التنزيل الفعال والسريع لبرنامج إعادة البناء والتأهيل العام للمناطق المتضررة من زلزال الحوز، في ظل التفعيل العملي والميداني لوكالة تنمية الأطلس الكبير، المكلفة بإنجاز مجموع مكونات ومشاريع هذا البرنامج.

مجهودات الحكومة في إعادة إعمار وإسكان المتضررين من الزلزال التي لا ينكرها إلا جاحد، تمت ترجمتها على أرض الواقع من إطلاق برنامج الدعم المالي لإعادة الإعمار. هذا البرنامج، يهدف إلى مساعدة الأسر على بناء منازل جديدة أو ترميم المنازل المتضررة، وذلك عبر منح 140,000 درهم للأسر التي دُمرت منازلها بالكامل، و80,000 درهم للأسر التي تضررت منازلها بشكل جزئي.

كما عملت الحكومة، على صرف تعويضات شهرية قدرها 2500 درهم للأسر المتضررة بهدف تغطية احتياجاتها الفورية، وقامت بتبسيط الإجراءات الإدارية لتسهيل عملية إعادة الإعمار، وذلك من خلال إنشاء الوكالة الوطنية لإعادة إعمار مناطق الزلزال لتنسيق الجهود وتوحيد الإجراءات.

وتم كذلك الإسراع في منح تصاريح البناء للمتضررين، مما أتاح لهم البدء في بناء منازلهم في وقت وجيز، كما تم إعفاء هؤلاء من رسوم التسجيل العقاري والضريبي لتخفيف الأعباء المالية عنهم.

ولتسريع عملية الإعمار، وفرت الحكومة منازل نموذجية للمتضررين، عبارة عن منازل مسبقة الصنع Maisons préfabriquées للأسر التي فقدت منازلها، مما أتاح لها سكنا مؤقتا ومريحا، كما تم توفير المساعدات الإنسانية الأساسية مثل الغذاء والملابس والخيام لضمان استقرار الأسر المتضررة.

وبالأرقام، فإن تقدم أشغال إعادة البناء والتأهيل على مستوى إقليم الحوز، فاق 91 في المائة عقب انتهاء بناء ما يناهز 24.000 مسكن، وفق معايير فنية وتقنية عالية. ومن المرتقب أن تبلغ نسبة تقدم هذه الأشغال 93 في المائة عند متم شهر شتنبر الحالي، و96 في المائة خلال الشهرين القادمين.

كما أن جميع الخيام التي تم نصبها بعد الزلزال لإيواء الضحايا أُزيلت بشكل نهائي، بينما فقط 4 في المائة من المتضررين لم يشرعوا في البناء بعد، وذلك بسبب نزاع بين الورثة، أو مشاكل تقنية.

وعلى مستوى إقليم مراكش، بلغت نسبة تقدم أشغال إعادة بناء وتأهيل المساكن المتضررة جزئيا أو كليا، والتي انطلقت في فبراير 2024، حوالي 85 في المائة، بعد بناء وتدعيم ما يقارب 2.620 مسكنا وفق معايير تقنية صارمة.

وفي تارودانت تتواصل دينامية إعادة التأهيل والإعمار، فقد شمل برنامج إعادة إعمار المناطق المتضررة بالإقليم، أكثر من 15.000 ألف مستفيد، موزعين على 57 جماعة.

وغطت أشغال البناء الكبرى حوالي 14.000 ألف مسكن، فيما اكتملت أشغال 11.450 وحدة سكنية، أي ما يعادل 76 في المائة من مجموع المساكن المبرمجة.

بينما شهد إقليم شيشاوة إلى حدود الآن إعادة بناء أكثر من 7.800 مسكن، بنسبة تقدم بلغت 97 في المائة، حيث سيتم الانتهاء من الأوراش الأخيرة المتبقية عند متم نونبر المقبل.

ورغم الإشادة التي حظيت بها جهود الحكومة في التعاطي مع هذه الأزمة، من قبل العديد من المنظمات الدولية والمجتمع المدني، إلا أن هناك عدة مغالطات يعمد البعض إلى ترويجها بشأن هذه الجهود من قبيل التشكيك في الأرقام والإنجازات. حيث يتم التركيز على وجود بعض العائلات التي لا تزال تعيش في الخيام أو تواجه صعوبات، ويتم تعميم هذه الحالات لتقديم صورة بأن جهود إعادة الإعمار لم تحقق أي تقدم يذكر.

والواقع أن آلاف الأسر قد استكملت بناء منازلها، وهناك عدد كبير آخر قد تجاوز 50% من أشغال البناء. وعملية الإعمار تسير بوتيرة جد إيجابية.

كما يعمل البعض على نشر روايات حول وجود حالات فساد أو تلاعب بالدعم المالي المخصص للمتضررين، مثل استفادة بعض الأشخاص من التعويضات دون وجه حق، أو إقصاء آخرين رغم تضرر منازلهم.

بينما الواقع، هو أنه على الرغم من وجود بعض الحالات الفردية التي يتم التحقيق فيها ومعالجتها، إلا أن الحكومة أكدت على أن عملية صرف الدعم تتم تحت إشراف لجان إقليمية لضمان وصوله إلى المستحقين.

كما أن الحكومة تشجع المتضررين على تقديم شكاوى للجهات المختصة للتحقيق في أي تجاوزات.

يتم كذلك تضخيم فكرة التأخير في صرف الدفعات المالية للمتضررين، مما يعطي انطباعًا بأن الحكومة لا تفي بالتزاماتها. الواقع أن التأخيرات التي قد تحدث في بعض الحالات ترتبط في الغالب بالإجراءات الإدارية، مثل ضرورة استكمال المتضررين للوثائق المطلوبة، أو التقارير التقنية التي تثبت تقدم أشغال البناء، وهو شرط أساسي لصرف الدفعات اللاحقة من الدعم المالي.

كما يتم استخدام صور ومقاطع فيديو قديمة أو من كوارث طبيعية في دول أخرى، وتتم نسبتها إلى زلزال الحوز بهدف تضليل الرأي العام وإظهار حجم الدمار والوضع الإنساني بشكل أسوأ بكثير مما هو عليه فعلا.

والمتأمل في هذه المغالطات يجد أنها قد تكون لأسباب مختلفة، منها استغلال الكارثة لأهداف سياسية ومحاولة التشويش على الجهود الحكومية. والبحث عن الشهرة على منصات التواصل الاجتماعي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *