طلحة جبريل

هناك تعبير يقوله البريطانيون عندما تشرق الشمس في بلاد الضباب ، ترجمته “هذا يوم للحافلة”، يقصدون أن شروق الشمس يشجع على ركوب الحافلة والتمتع بالفرجة من نافذتها على الناس والأمكنة،وهدوء الحافلات هناك يغري فعلاً بالفرجة .

كل يوم أحد أتمنى أن أجد متسعاً من الوقت لركوب الحافلة في جولة على غرار ما يحدث في عاصمة الضباب،والتعرف على ” ناس الحافلات”، وما يشجع على ذلك أيضاً أنها ستكون جولة في أحياء بالرباط باعدت بيني وبينها سنوات.

قطعاً لست سائحاً في العاصمة المغربية ، إذ أنها مدينة أعرفها جيداً ، وأزعم بانها تعرفني كذلك. بل هي جولة في إطار حب استطلاع لمعرفة كيف أصبحت حافلات هذه الأيام.

لكن في كل مرة أسمع أنها ستكون جولة متعبة ومزعجة ، وعلى الرغم من ذلك ، أقول متى كانت هذه المهنة ، مهنة راحة واسترخاء.

أتذكر أننا كنا نستعمل الحافلات بين الحي الجامعي مولاي اسماعيل وحي السويسي حيث يوجد المطعم الجامعي، كانت حافلات ذلك الزمان تابعة لمؤسسة عمومية (حكومية)، تذاكرها رخيصة جداً، أقل من درهم. كنا نجد متعة داخل الحافلة لأن معظم ركابها طالبات وطلاب.

كانت الرباط تبدو لنا أيامئذٍ ، مدينة منتعشة، تعج الإدارات في الصباح بالحركة والضجيج، والناس تعمل بهمة ونشاط.الموظفون يتقاضون أجوراً معقولة، والأسعار في المتناول.

الحركة مزدهرة، والمحالّ التجارية في شارع محمد الخامس مكدسة بالملابس والسلع، أرفف المكتبات ممتلئة بثمرات المطابع، والصحف تصل طازجة في المساء وباعة الصحف المتجولين في  كل مكان. كانوا لا ينادون باسماء الصحف، بل بالعناوين والمانشيتات.

الكليات منابر حقيقية، والتيارات السياسية داخل أسوارها ترفد الأحزاب بالأطر والأفكار. كانت الحياة هينة..والناس في راحة بال.كنا آنذاك نعيش أيام الرباط الأولى.

نقرأ الصحف، نتبادل الكتب، نتحدث بحماس الشباب،ونحلم بمستقبل مشرق.

نتواعد في المساء على جولة حرة في “الشارع”وهو إختصار لإسم “شارع محمد الخامس” ثم بعد ذلك نختار إحدى قاعات السينما.

الرومانسيون يختارون قاعة  تعرض فيلم “صوت الموسيقى” حيث تصدح جولى اندروس أو “حمى ليلة السبت” وبداية ظهور جون ترافولتا، الذين يحبون الجدل في قضايا العصر، يهرعون الى قاعة تعرض فيلماً عن التمييز العنصري حيث سيدني بواتيه وفيلم “ضيف على العشاء”،عشاق المغامرات والإثارة، يتجهون نحو قاعة أخرى لمشاهدة ستيف ماكوين في “الهروب الكبير”، الراغبون في قصص العشق والغرام، يتابعون عبد الحليم حافظ في  فيلم “أبي فوق الشجرة”.

كانت حياة طرية وطيبة، وإحساسنا عارماً أنها قد خلقت للتو.

أختم بسؤال : ترى كيف ستكون رباط  اليوم من نافذة حافلة.

ذات زمان في الحي الجاممعي مولاي إسماعيل

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التعليقات