*سعيد بلفقير 

 

وضعت أمامه إبريق الشاي تفوح منه رائحة نعناع منعش, الثامنة والنصف مساء بتوقيت الحكومة والخيبات المعتادة, لكن اليوم استثناء, اليوم يلعب المنتخب مباراته الأخيرة ليصل إلى المونديال.

ابتسم لزوجته ممتنا وهز حاجبيه ليرسم سعادة كاذبة وهو يومئ لها باتجاه شاشة التلفزيون الذي لم ينته من تسديد أقساطه.

صبت له كوب شاي وقدمته له بحب, رسم الابتسامة ذاتها ولكن بصدق هذه المرة.

أخذ نفسا عميقا قبل أن يرشف من كوبه وقبل أن يطلق الحكم صفارة البداية.

مدرجات “ستاد دونور” تغص بالجماهير, ورأسه يغص بالأفكار والأوهام والظنون, والفرق الوحيد بين رأسه والملعب أن سكان رأسه يتعايشون بسلام وهدوء يشبه صمت المقابر.

انتظر الهدف لكي يصرخ ويهتز, وقع أوناحي واهتزت جماهير “دونور” دون أن تهتز في كيانه شعرة, رمقته المسكينة باستغراب وراحت تدعو للاعبين بالتوفيق.

وقع تيسودالي الهدف الثاني فاكتفى بهز رأسه مبتسما. الثالث ثم الرابع والفكر شارد بين مباراة للكرة ومعارك في الحياة خرج منها حيا دون أن يرزق.

سيارة الأجرة الحمراء رابضة أسفل العمارة, وقد جابت اليوم أرجاء “كازا” حتى نال من سائقها التعب ليقتطع وقتا لنفسه من أجل متابعة المباراة.

هو لا يحب الكرة أصلا, أو بالأحرى لم يعد يحبها, ولم تعد تستهويه منذ مونديال 98, يتابع أخبارها ولكن دون شغف, ومع ذلك عاد للبيت من أجل المباراة.

انتهت المباراة وضج الحي بالصراخ والتهليل, كانت ابتسامة زوجته تملأ وجهها المدور, فبدا له مشرقا كما لم يره من قبل.

تبا لأقساط الشقة التي يبدو أنها ستتأخر, وتبا لصاحب “المأذونية” فلن ينال مني اليوم غير السب والشتم.

ابتسم بفرحة طفولية وقال لزوجته: هيا البسي جلبابك الأحمر ولنحتفل.

بلباقة عالية فتح باب السيارة (التاكسي) لزوجته وأغلقه برفق, ثم ارتمى بخفة خلف المقود.

جاب الشوارع وأطلق بوق سيارته وهو يصرخ دون أن يقول شيئا محددا, كلمة واحدة كانت واضحة, “وا المغرب”, زوجته كانت صامته مبتسمة ومبتهجة, فتحت زجاج النافذة لتعانق نسيم البحر عندما اقتربا من مسجد الحسن الثاني.

علق في زحام المدينة, ومازال يصرخ ويهتف ويحيي العابرين, سمع صوت رنة يبغضها, نظر إلى لوح السيارة ليرى علامة الوقود وقد توهجت واحمرت لتخبره أن السيارة تحتاج بنزينا.

“حسبي الله ونعم الوكيل فيك” قالها بعصبية شديدة.

سألته زوجته: من؟

أجابها: رئيس الحكومة؟

الزوجة: ماذا فعل؟

الزوج: سيارتي تحتاج البنزين

الزوجة: وما دخله؟

الزوج: لقد ارتفع سعر البنزين بشكل لا يطاق

طأطأت رأسها وسألته بلطف: هل تحتاج مالا؟

قال: وأحتاج أن أسب وحيد..

الزوجة:وحيد من؟

الزوج: وحيد زمانه, مدرب المنتخب, المعتوه.

الزوجة: لكنهم فازوا وتأهلوا للمونديال.

الزوج: اللاعبون هم من فاز, والتأهل للمونديال ليس إنجازا, لقد تأهلنا قبله ست مرات.

صمت قليلا ثم عاد ليقول: صراحة لا ينبغي أن أسب وحيد, علي أن أسب من أتى به, من ابتلانا به, رئيس الجامعة الذي يدعو الراقصات والمجانين ومعتوهي اليوتيوب لحضور المباريات والسفر مع المنتخب. 

هل سينسينا التأهل كل خيباتنا السابقة, زياش أليس مغربيا! ومزراوي وحمد الله وزهير فضال ويوسف العربي ووو.. بما أن المنتخب تأهل فسيبقى هذا “الشايب” جاثما على أنفاسنا.

قطبت المسكينة بين حاجبيها قبل أن تقول: هيا نعود للبيت, أنت تحتاج إلى راحة.

الزوج: كيف أعود وأنا عالق هنا.

فتح زجاج نافذته وأخذ يصرخ بغضب يبدو كأنه حماسة: وا المغرب…

*كاتب /صحفي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *