عبد الرزاق بوتمُزّار

اليـوم الـ26

ظننتُ، فـي الأيّامِ القليلة الأخيرة، أنها قد اختفتْ، التّرمْضينة، وزالتْ من البرنامج اليوميّ في سلوك شخصياتي (غير) الواقعية.. لا شكّ في أنهم “دارُو عْقلهومْ” بتوالي أيام رمضان وتعوّدهم على تحمّل تبعاتِ الجـوع والعطش والحرمان من الجسد /الآخر.. كنتُ أقول لي، وأنا أتجول في أرجاء السّويقـة بحثاً عـن بعض الـدّيسير، وأيضاً، عـن حكايات ليـومياتي هذه، بأبطالها الغاضبين/ المُضحكين، فلا أجد لهم أثـراً..

لكنْ بالأمس، أيقظني صوتُ صراخ وشجار في الدّرب. تيقّنتُ، من خلال نوعية السّباب المتبادَل، أنّ صاحبَينا يُعوّلان على الأسوأ. كانا الشّخصين نفسيهِما اللذين “سهّرَا” الحومـة ليلة البارحة.. لكنهما بَدَيا أكثرَ إصراراً على تصفية ما بينهما اليوم. كانتْ أصواتهما والكلماتُ التي يقذفان بهـا تشي بأنها سائران نحو نهاية درامية لـ”تْرمضينهما”..

استشعرتْ راداراتي أمرا جلَلاً سيحْدُث بعد حين بين الشخصين/ الشّخصيتين. (قد يصلح لحكاية).. ارتديتُ ملابسي ومررتُ الماء بسرعـة على وجهي ونزلتُ أدراجاً. كان الدّرب عاجّاً بجماهير “المُتفرّجين” على الدِّيكَين البشريّيْن. وضعتُ نظاراتي السّوداء، أخفي آثارَ النوم إلى ما بعْدَ العصر.. كانا عاريّين إلا من قطعتَيْ قماش تستران نصفيهما السّفليّينْ، نحيفَينِ بصورة مُضحكة وعُروق أيديهما وجبهتيهما تفورُ غضباً وحقداً لأسباب غير مفهومة. لا يبدوان صالحَين كبطلين كما أوحى لي بذلك صوتاهما قبل قليل، لكنْ لأتابعْ، قلت لي.

لاح طيفُ أحدهما يعدُو وسط الحشود الفضوليّة في اتجاه راسْ الدّرب، مُتوعدا:

-غـادي نقتْلْ (………) الليلةَ! خويَا نور الدّـنْ، وْالله..
(يبدُو أنكَ تستـنجدُ بـ”خُوكْ” نورْ الدّينْ كي يتـدخّل و”يمنعَك” من قتله.. وأنتَ الـْترتعش مثل فـرْخ صغير سقَط، خطأً، في مياه فبراير).. قالتْ أفكاري الشّريرة، وأنا أراوغُ أجسادَ الفضـُوليّين، صعوداً إلى السّـْويقة. (هُنا -الآن. لا داعيّ إلى تخيّل سينارْيو أو قصّة. تُكتَب أحداثُ اللحظـة في اللحظـة، والوقتُ صيام)..

أعادنِـي إلى أرض الـدّرب وهو يعود متأبطا سيـفا طويلا وشرٌا. (أُمّاه، إنها السّيوف!).. كان عارياً تماما إلا من آخر قطعة تستر وسطه. راحَ يبحث عن غريمه بين الوجوه وهو يواصل صعوداً. دقّقتُ النظرَ في الأداة الرّهيبة في يده. ضحكَ مني شبحُ المـوت من على صفحة السّيفِ اللامعة مثل مرآة شيطانية. (ماذا لو لاحَ الغريمُ في هذه اللحظة؟… سـيقتله، طبعاً، هل تظنّ أننا نمزح!).. أجابني الموتُ، بأسنانه الوسخة من مرآة تشكّلت على صفحة المُهنّد..

لمْ يجدْ غريمه حيث بحث عنه، عند الزّنقةِ التالية. عادَ برفقة أحدهم، ينهرُه بقوة، وهو يهزّه بين حين وحين. السّيفُ كان في يده، لا يزال يمُدّه أمامَه، كأنه عنترةُ والأزمنة أخرَى.

التفتّ إلى مساعِدة الشّريفة، أطلب منها أن تُعدّ لي مائدتي، بسمكاتها المعلومات.. ثمّ، فجأة أيضاً، لاحَ طيف الغريم. عاريا، بدوره، إلا من قطعةِ القمّاش إياها تشدّ وسطـه وتستر منه العورة. تفجّرتِ الضّحكات. كان المْعيطي (وهذا اسمه) مُثيراً للشّفقة وهو كاسٍ فكيف به وقد تعرّى!.. بيده اليُمنى يُحكِم الإمساكَ بخنجَره. كان أقصرَ مـن سيف “الخصم” لكنْ أشدَّ التماعا.

أرغى وأزبدَ واستشاط. كان عنترة الأولُ قد اختفى. أحاط بعنترَة الثاني اثنانِ من “خِلاّنه” ونزلوا به الـدّرب، حاثـّين إياه على أن “ينعل الشّيطانْ”..

(لا تداعيات قضية الوحش المُغتصِب تجدُ لها صدى هنا ولا حكاية العفـو الملكيّ وإلغائه وقـد امتلأ الشّارع.. لا مصـةرُ تحضرُ هنا، بثورتها وعجْلاتها التي لا تنتهي، ولا جراحُ سورية المُؤلمة).. يتوقّف الزّمنُ ليُفسحَ المجالَ لكائنات أخرى يبدُو أنها تعيش في “عوالمَ” أخرى، بشخـُوص ووقائعَ مُضحكة/ مبكية..

وسألتُني، وأنا أدلفُ إلى الرّيستُو، أنتظر أذانَ المغرب: متى يُعلنون انتحارَ الجهل والجّهالة في الأحياء الخلفية!..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *