تأكيداً على دورها الريادي في التوجيه الديني والاجتماعي، أعلنت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية عن تخصيص خطبة جمعة موحدة بتاريخ 26 سبتمبر 2025 (الموافق 03 ربيع الآخر 1447هـ)، وذلك في إطار “خطة تسديد التبليغ” المتبعة في مساجد المملكة.

Le12.ma

في إطار برنامجها الدعوي والتوعوي، أعلنت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية عن تخصيص خطبة موحدة ليوم الجمعة 03 ربيع الآخر 1447هـ، الموافق لـ 26 سبتمبر 2025. يأتي هذا التخصيص في سياق “خطة تسديد التبليغ” التي تعتمدها الوزارة عبر مختلف مساجد المملكة.

وستتمحور الخطبة حول موضوع “الحرص على تربية الأولاد على الدين وعلى روح المسؤولية في الحياة”، وهو موضوع ينسجم مع أولويات التوجيه الديني للأسرة والمجتمع.

تؤكد الوزارة من خلاله على أهمية غرس القيم الأخلاقية والتربوية في الناشئة، بما يضمن إعداد جيل مسؤول ومتمسك بالثوابت الدينية والوطنية.

وتهدف الوزارة من هذه الخطبة إلى توحيد الكلمة وتوجيه الأنظار نحو الدور المحوري للأسرة في تربية الأبناء على أسس صحيحة تجمع بين الالتزام الديني وروح المواطنة الفاعلة.

الخطبة الأولى

الحمد لله الذي خلق الإنسان من نفس واحدة، وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء، نحمده تعالى على نعمه الجلى ومننه الكبرى، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، أفضل من ربى وعلم، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وبارك وأكرم وعظم، وعلى صحابته الكرام الأعلام، ومن تبعهم واقتفى أثرهم في السر والإعلان.

أما بعد؛ فيا معاشر المؤمنين والمؤمنات؛ يقول الله تعالى في محكم تنزيله: وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنَ اَنفُسِكُمُۥٓ أَزْوَٰجاً وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ اَزْوَٰجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ اَ۬لطَّيِّبَٰتِۖ أَفَبِالْبَٰطِلِ يُومِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اِ۬للَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَۖ[1].

عباد الله؛ كلما حل بنا الموسم الدراسي الجديد، انشغل الناس بما يجب من الإعداد والاستعداد المادي والمعنوي لتسجيل أبنائهم، وتوفير كل الظروف الملائمة لتهيئتهم لاستقبال عام دراسي جديد، مع التحفيز على الجد والاجتهاد.

وفي الوقت نفسه تطرح أسئلة هامة، تشغل بال الجميع، حول أهمية التربية والتعليم، والغاية من بذل الوسع في الاستثمار في الأولاد؛ بصرف الاهتمام من أجل تكوينهم، وما مدى ثقل المسؤولية الملقاة على عاتق الآباء والمعلمين والأساتذة وسائر المربين، وحجم الأمانة التي يتحملونها تجاه دينهم ووطنهم وأمتهم؟ إذ التعليم والتربية يجب فيهما على الخصوص مراعاة خصوصية ثلاثة أمور: الدين، والوطن، والأمة؛ بحيث تجب التربية والتثقيف والتزكية عليها وفق ما رسخته الثوابت الدينية ومقومات الهوية الوطنية.

وهذا مما تعنى به وترشد إليه (خطة العلماء من أجل تسديد التبليغ)، ويعطيها العلماء والمربون والمصلحون أهمية كبرى من أجل تحمل المسؤولية تجاه الأبناء؛ بما يجب لهم من التربية والتهيئة لتحمل المسؤولية في المستقبل؛ إذ الأمانة التي حملها الإنسان ليست مسؤولية جيل أو أجيال، وإنما هي مسؤولية الإنسان إلى آخر الدهر، وتنتقل من جيل إلى جيل، عبر التربية والتعليم والتزكية؛ كما بينه كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ في إخلاص العبادة لله تعالى، وأداء ما للعباد من حقوق.

ومن أهم ما ينبغي الاهتمام به: التربية على روح المسؤولية عند العمل في إطار الجماعة، مع الحرص على خدمة الأمة، ومحاربة ما يخالف ذلك من الفردانية والأنانية والعجب بالنفس، وغيرها من الصفات السلبية في الإنسان.

وتربية الأولاد على جميل الخصال وجليل القيم، هي أحد مقاصد الزواج وتكوين الأسرة والمعاشرة الحسنة التي أشرنا إليها في خطب سابقة؛ إذ من شروط تكوين الأسرة؛ اختيار الزوج الصالح والعيش في كنف السكن والمودة والرحمة والفضل، واحترام ما يقتضيه الميثاق الغليظ؛ كما سماه الله تعالى في قوله: وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَٰـــقاً غَلِيـظاًۖ[2]

كل ذلك لتهيئة الظروف الملائمة لتربية الناشئة على الدين والصلاح، وتحمل المسؤولية من جيل لآخر.

ولذا جاءت هذه الآية من سورة النحل في سياق تعداد النعم؛ حيث يقول البارئ – جل وعلا – على سبيل الامتنان وشريف الخطاب لأهل الإيمان: وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنَ اَنفُسِكُمُۥٓ أَزْوَٰجاً وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ اَزْوَٰجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ اَ۬لطَّيِّبَٰتِۖ[3]؛

فالتصريح بلفظ الجلالة في بداية الجملة مفيد للحصر والاهتمام؛ أي الله وحده هو الذي أعطاكم هذه النعم التي من بينها الأزواج الصالحون والصالحات، والأولاد والحفدة البررة الصالحون، والرزق الحلال في الزواج والمطعم والمشرب.

فهذه منن كبرى تستوجب ممن حصلها شكرها؛ ومن شكرها التحلي بالمسؤولية عند التمتع بها، وصرفها في طاعة الله تعالى، مع الاعتراف له بجميل عطائه، وحسن كرمه وآلائه؛ ولذلك نعى على المشركين إعراضهم عن الله تعالى بنسيان شكره والاعتراف بفضله، مع الالتفات في الكلام من الخطاب إلى الغيبة؛ إكراما لمن قابل النعمة بشكرها، وإعراضا عمن أعرض عن المنعم بها؛ فقال جل شأنه على سبيل التوبيخ والتأنيب: أَفَبِالْبَٰطِلِ يُومِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اِ۬للَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَۖ[4].

عباد الله؛ إن من شكر نعمة الذرية والأولاد تربيتهم على الدين والقيم الإسلامية، ورعاية جميع حقوقهم المادية والمعنوية، وتربيتهم على تحمل روح المسؤولية، والحرص على أداء الواجب تجاه وطنهم وأمتهم وكل من له حق عليهم.

نفعني الله وإياكم بقرآنه المبين، وبحديث سيد الأولين والآخرين، وغفر لي ولكم ولسائر المسلمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، ملك يوم الدين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أيها المؤمنون والمؤمنات؛

إن من يقرأ كتاب الله تعالى بتدبر وتأمل وفهم سليم، يدرك تمام الإدراك أن الأولاد نعمة عظمى ومنة كبرى؛ إذ وصف الحق سبحانه وتعالى الذرية بأنها هبة منه سبحانه في كثير من الآيات؛ منها قوله تعالى على لسان سيدنا إبراهيم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والتسليم: اِ۬لْحَمْدُ لِلهِ اِ۬لذِے وَهَـبَ لِے عَــلَى اَ۬لْكِبَرِ إِسْمَٰعِيلَ وَإِسْحَٰقَۖ إِنَّ رَبِّے لَسَمِيعُ ا۬لدُّعَآءِۖ[5].

وقوله تعالى: يَهَــبُ لِـمَـــنْ يَّشَآءُ اِ۪نَٰثاً وَيَهَبُ لـِمَنْ يَّشَآءُ ا۬لذُّكُورَ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَٰثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَّشَآءُ عَقِيماًۖ اِنَّهُۥ عَلِيمٌ قَدِيرٌۖ[6].

مما يدل على أن هذا الأمر ملكه؛ يتصرف فيه كيف يشاء، فلا أحد يشاركه فيه، كما يدل على أن النعمة يجب شكرها لتبقى، وشكر نعمة الأولاد تربيتهم على قيم الدين التي تتجلى في السلوك القويم، وتعليمهم كتاب الله، وترسيخ محبة النبي صلى الله عليه وسلم في قلوبهم، والعدل فيما بينهم من غير تفضيل بعضهم على بعض ماديا أو معنويا، إلا ما كان له موجب شرعي وحق مرعي، لعجز أو فقر ونحوهما، وحملهم على حب الخير للغير وعلى الإيثار، وإبراز الصدقة في وجوههم، وتكليفهم بإعطائها لأصحابها تدريبا لهم عليها، وغير ذلك من وسائل تساعدهم على تحمل أعباء المسؤولية والتحلي بروح الواجب والسهر على أدائه.

هذا؛ وصلوا وسلموا على معلم الناس الخير، فاللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله كلما ذكرك وذكره الذاكرون، وغفل عن ذكرك وذكره الغافلون، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين؛ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن باقي الصحب أجمعين، وعنا معهم برحمتك وفضلك يا رب العالمين.

وانصر اللهم من وليته أمر عبادك، مولانا أمير المؤمنين، جلالة الملك محمدا السادس، نصرا عزيزا تعز به الدين، وترفع به راية الإسلام والمسلمين، اللهم اكلأه بعينك التي لا تنام، واحفظه في جنبك الذي لا يضام، وأقر عين جلالته بولي عهده المحبوب، صاحب السمو الملكي، الأمير الجليل مولاي الحسن، وشد أزر جلالته بشقيقه السعيد، الأمير الجليل مولاي رشيد، وبباقي أفراد الأسرة الملكية الشريفة.

وارحم اللهم برحمتك الواسعة، الملكين الجليلين، مولانا محمدا الخامس ومولانا الحسن الثاني، اللهم طيب ثراهما، وأكرم مثواهما، واجعلهما في مقعد صدق عندك، وارحم اللهم آباءنا وأمهاتنا وسائر موتانا وموتى المسلمين.

اللهم اهدنا واهد بنا، واجعلنا هداة مهتدين، ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما، واجعل ذريتنا ممن خافك واتقاك، ووفقهم لما تحبه وترضاه في سرهم وعلانيتهم، وخذ بناصيتنا وناصيتهم إلى كل خير، آمين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *