يونس التايب
سرني أن أطالع، من خلال الصفحة الرسمية على الفيسبوك للسيدة كاتبة الدولة المكلفة بالبيئة والتنمية المستدامة، أنه تم، الاثنين 27 ماي 2019 في مجلس النواب، تقديم مشروع قانون رقم 49.17 يتعلق بالتقييم البيئي.
وبحسب نفس المصدر، من مستجدات هذا المشروع “إخضاع السياسات والاستراتيجيات والبرامج والمخططات وتصاميم التنمية القطاعية أو الجهوية، إضافة إلى مشاريع أخرى سيحددها نص تنظيمي، من المحتمل أن تكون لها تأثيرات على البيئة، للتقييم الإستراتيجي البيئي، مع تحديد طرق وكيفيات دراسة التقييم البيئي الإستراتيجي واللجوء إلى الاستشارة العمومية، إضافة إلى إقرار “الافتحاص البيئي” المنصوص عليه في القانون الإطار رقم 12-99 بمثابة ميثاق وطني للبيئة والتنمية المستدامة”.
كما يهدف مشروع القانون، كما جاء في تقديمه أمام أعضاء “لجنة البنيات الأساسية والطاقة والمعادن والبيئة” في مجلس النواب، إلى “تجاوز بعض الثغرات التي أبان عنها تطبيق القانون رقم 03-12، المتعلق بدراسات التأثير على البيئة، ومن بينها عدم خضوع بعض المشاريع الملوثة لدراسات التأثير على البيئة، وعدم تلاؤم نظام المراقبة مع التطور المؤسساتي الذي عرفته الشرطة البيئية. وكذا إخضاع الوحدات الصناعية والأنشطة الموجودة قبل صدور هذا القانون، والتي لم تكن موضوع أي تقييم بيئي، للإفتحاص البيئي، بغرض مواكبتها لاحترام القوانين البيئية الجاري بها العمل”.
مشروع القانون يبتغي، كذلك، حسب ما تسرب بشأنه، “تعزيز دور اللجان الجهوية لدراسة التأثير على البيئة، من خلال تسهيل ظروف عمل هذه اللجان على المستوى الترابي، وتعزيز مراقبة المشاريع الخاضعة للتقييم البيئي، والرفع من العقوبات المطبقة على مخالفات هذا القانون”.
شخصيا، لم يتسن لي، بعد، أن أطلع على مشروع القانون المشار إليه أعلاه، والوقوف على حيثياته و قراءة تفاصيله. ولأن في التفاصيل الجزئية تكمن غالبا معوقات التنفيذ السلس لأي قانون، سأعمل على الإطلاع على مسودة مشروع القانون، حالما سمحت ظروفي بذلك. لكن، في الانتظار، أعتبر بصورة مبدئية أن المبادرة محمودة جدا. وقد تسهم في تعزيز تأكيد التزامات المملكة المغربية في مجال التنمية المستدامة، كما ألح عليها جلالة الملك محمد السادس نصره الله، في خطاباته. ولعل المواطنين يتذكرون حدث تنظيم محطة كوب 22 بمراكش، والذي كان لحظة فارقة، بتنظيم رائع، منحت بلادنا احتراما كبيرا من لدن دول العالم، ومن لدن هيئات المجتمع المدني والمنتظم الأممي ذات الصلة بالشأن البيئي.
وإذا سار إعداد نص الصيغة النهائية الرسمية للقانون، وفق معايير الجودة اللازمة في هذا الباب، وتم الأخذ بأفضل ما في التجارب العالمية من اجتهادات ومعايير وميكانيزمات ضبط، وتم تحميل القانون بكل شروط التفعيل الجيد والملزم، وبقوة ضغط حقيقية وكبيرة، للتغلب على بعض “اللوبيات القطاعية” التي سترفض الخضوع لمثل هذه الإجراءات الاحترازية، ستكون بلادنا من خلال هذا القانون الذي سينضاف إلى ما سبقه من قوانين في الموضوع، قد سجلت نقطة إضافية مهمة للغاية، قد تسهم في تحسين ترتيبنا ومؤشراتنا في باب الحكامة البيئية، بما سيكون لذلك من أثر إيجابي على تشجيع الاستثمار الدولي، الذي أصبح الشرط البيئي جزءا أساسيا حاسما في قراراته.
وهنا، لا بد من تسجيل أنه إذا كانت المواد الإخبارية والمقالات العلمية التي نطلع عليها في وسائل إعلام دولية متخصصة، تبين مدى ما بلغه مستوى الوعي بالإشكالات البيئية في عدة مناطق من العالم، وما أصبحت عليه مجتمعات عديدة من نضج في التعاطي الشعبي والرسمي معها، فإن أقل ما يمكن قوله عن حالتنا الوطنية بخصوص محور البيئة والتنمية المستدامة، إننا نعيش، حتى الآن، خارج سياق تعميم الوعي بالمشاكل البيئية المطروحة في وطننا وخارج سياق التوفر على ديناميكية مؤسساتية فعالة وناجعة للتتبع والتقييم و ةإنتاج حلول عملية وتدبير تنزيلها بطريقة تشاركية ومبتكرة.
ورغم طفرة القوانين التي صدرت ببلادنا، والتي ابتهجنا لها، فإننا ما زلنا نسمع كل يوم أخبار عن عجز الحكومة عن مواجهة حالات تسيب واستغلال غير عقلاني، وفي بعض الأحيان غير مشروع، لموارد طبيعية عديدة، أهمها “الفرشة المائية” و”مقالع الرمال” و”الرصيد الغابوي” و”الأودية والأنهار”… إلخ.
وهنا لا بد من التأكيد أن أمر تعميم الوعي وإعطاء الأولوية لاحترام المعايير البيئية، ليس مرتبطا بعدم استطاعة الفاعل الرسمي والمؤسساتي على استيعاب التحديات البيئية المطروحة. إنما للأمر علاقة بكون موضوع “البيئة” ما زال، رغم تقدم التشريعات الوطنية، يشكل بالنسبة لفاعلين عديدين، ترفا وقضية ليست بملحاحية قضايا معيشية أخرى. ومبعث ذلك، إضافة إلى غياب وعي مجتمعي بطبيعة المشاكل وعمقها وحقيقة وجود صعوبات في توفير التمويلات الكافية، أن الإشكالات البيئية تشبه “فاتورة مُستحقة للغير، ولكنها مؤجلة التسديد”. وبالتالي لا نفكر فيها الآن ونؤجل موضوعها إلى وقت لاحق.
لكن، ما يجب أن يعيه الجميع أن “الفاتورة”، وإن كانت ستؤدى لاحقا، وربما من قبَل جيل قادم، فإنها ستكون مرتفعة جدا وكبيرة القيمة وحتمية الأداء. ومن واجبنا الأخلاقي ومسؤوليتنا المجتمعية، أن نساهم في جعل الفاتورة خفيفة الأثر والوقع على من سيأتون بعدنا من أجيال، من خلال تأهيل قانوني وسياسات عمومية ناجعة.
وليس لذلك من سبيل،ة سوى تكثيف الترافع وتوسيع دائرة النقاش بشأن قضايا البيئة، بحضور الرسميين وأصحاب القرار ومكونات المجتمع والمواطنين. كما يجب استنباط التجارب الناجحة عبر العالم وتركيز التواصل على خطاب رئيسي يبين بأن “الاستثمار في البيئة ليس استثمارا غير مجد ولا مربح”. بل بالعكس على كل المعنيين أن يعلموا أن “التحول الطاقي” (la transition énergétique) يمكنه أن يسهم في إنتاج الثروة وتعزيز التنمية وجعل الإنفاق في هذا المحور استثمارا أكيدا من أجل مستقبل مشرق.
كما أن الحكومة مطالبة، عقب المصادقة على القانون الجديد، بأن تبدل مجهودا كبيرا لتأهيل وتطوير كفاءات الموارد البشرية وتمكنها من آليات الاشتغال وتوفر لها الحماية الميدانية اللازمة وتمكّن الإدارات ومؤسسات الرقابة المعنية من سلطات تنفيذ مقتضيات القانون، بعيدا عن أي محاباة أو غض للطرف أمام خروقات قد تصدر من أي جهة كانت.
وأظن أن أمامنا، كمهتمين وكفاعلين سياسيين ومجتمعيين، مساحات هائلة من الفعل الإيجابي في هذا الباب، بعيدا عن أي تخندق إيديولوجي أو حسابات ضيقة، لأن حماية البيئة في التراب الوطني كاملا فرض عين على الجميع، وهي أيضا مسؤولية وطنية أكيدة لكي تظل موارد الوطن وبيئته محصنة. وعلينا الإسهام، ما استطعنا، في ذلك المجهود من خلال تناول عقلاني لقضية تهم الجميع، من أجل نماء وطن يسع الجميع ويتقدم بسواعد وذكاء الجميع.
