في أعقاب إسقاط المحكمة الدستورية لثمانية مواد من قانون مسطرة المدنية، تعالت مطالب حقوقية بعرض قانون المسطرة الجنائية على النظر الدستوري.

*جواد مكرم 

بينما لا تزال السلطتين، التشريعية والتنفيذية لم تستفيقا بعد، من صفعة إسقاط المحكمة الدستورية لثمانية مواد من قانون مسطرة المدنية، تعالت مطالب حقوقية بعرض قانون المسطرة الجنائية على النظر الدستوري. 

 ويرى خبراء، أن قانون المسطرة الجنائية الذي جاءت به وزارة العدل، وأجازه البرلمان ينطوي على مواد موجبة للطعن بالإلغاء أمام القضاء الدستوري. 

محمد حركات، الاستاذ الجامعي والخبير القانوني والمحامي في الرباط، كتب في هذا الصدد: «عار تاريخي أخلاقي هذا على جبين  برلمان لا يحمي مصالح  الدولة والأمة على السواء عندما لا يتصدى للفساد من خلال منعه متابعة المفسدين في المادة 3 و7 من   مشروع  قانون المسطرة الجنائية».

وأضاف حركات في تدوينة له، «بالتالي يعمل( البرلمان)، على تكبيل  النيابة العامة من تحريك  الدعاوى المرفوعة من طرف  المجتمع  المدني إلى القضاء  في الموضوع».

 وتابع، «الكل يجمع على أن معرقل التنمية في البلاد هو الفساد أساساً»، لذلك يردف الخبير القانوني، «عار إستثناء مشروع  المسطرة المعنية من الإحالة على المحكمة الدستورية اعتباراً للعلاقة الوطيدة ما بين  قانون المسطرة الجنائية وقانون المسطرة المدنية».

وأوضح، «هذه الأخيرة التي تم التصدي لها  مؤخرا، عربون ضعف تشريعي بائن أو  سكوت تنازع مصالح  عند أغلبية «ممثلي الأمة” في الدفاع عن الدستور…وملاءمة القوانين مع فلسفة الدستور  بكل  حذافيره..!!». 

أمنية وزير العدل أيضاً 

أمنية أخرى تلك التي عبر عنها المصطفى الرميد، وزير العدل والحريات الأسبق، وهو يعلق على قرار المحكمة الدستورية، القاضي بإسقاط بعض مواد قانون المسطرة المدنية. 

وكتب الرميد، في تدوينة له، «كم كنت أتمنى لو أن قانون المسطرة الجنائية، الذي يُعد أكثر ارتباطًا بالحقوق والحريات مقارنةً بقانون المسطرة المدنية، خضع بدوره للفحص الدستوري، من أجل حسم النقاش الحاد القائم بشأن بعض مقتضياته الخلافية».

وقال الرميد، «إن قرار المحكمة الدستورية الصادر بتاريخ 4 غشت 2025، بشأن قانون المسطرة المدنية، والذي قضى بعدم دستورية بعض مواده، يُبرز أهمية الدور الذي تضطلع به هذه المحكمة في ترسيخ أسس دولة الحق والقانون، وكذا في أداء دورها التحكيمي بين مختلف المؤسسات، والفرقاء السياسيين، وغيرهم».

وفي السياق ذاته، يضيف الرميد، «لا بد من التنبيه إلى استمرار تعطيل صدور مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالدفع بعدم الدستورية، والذي يُعد آخر قانون تنظيمي لم يرَ النور بعد، ضمن قائمة القوانين التنظيمية المنصوص عليها في الدستور، والتي تم إخراج معظمها إلى حيز الوجود».

وتابع، «إن صدور هذا النص من شأنه أن يُمكّن جميع الأشخاص الذين يُواجهون، قضائيًا، مقتضيات قانونية يعتقدون بعدم دستوريتها، من الطعن فيها أمام المحكمة الدستورية».

ويرى وزير العدل والحريات الأسبق، «مما لا شك فيه أن ذلك سيساهم في تعزيز وضمان حقوق وحريات المواطنات والمواطنين». 

وخلص المصطفى الرميد، وزير العدل والحريات الأسبق الى القول، «إن الاستمرار في تأخير إصداره، من شأنه أن يؤدي إلى تعطيل مقتضى دستوري هام، يرتبط بالحقوق الدستورية الأساسية، فضلًا عن تكريس حالة من الريبة التشريعية التي لا مبرر لها». وكانت المحكمة الدستورية قد أقرت، بعدم دستورية مجموعة من مقتضيات مشروع القانون رقم 23.02 المتعلق بالمسطرة المدنية، الذي تمت المصادقة عليه في يونيو المنصرم في إطار القراءة الثانية.

وجاء القرار بعد إحالة مشروع القانون على المحكمة من قبل رئيس مجلس النواب في 9 يوليوز المنصرم، للبت في مدى مطابقته للدستور.

وأقرت المحكمة بعدم دستورية الفقرة الأولى من المادة 17، التي تمنح النيابة العامة صلاحية طلب إبطال أي مقرر قضائي مخالف للنظام العام، حتى بعد صيرورته حائزا لقوة الشيء المقضي به.

كما قضت بعدم دستورية مقطع في الفقرة الرابعة من المادة 84، المتعلق بتبليغ الاستدعاءات، لأنه يفتقر إلى الضوابط الموضوعية ويؤدي إلى الشك والتخمين بدلاً من اليقين، مما يمس بحقوق الدفاع والأمن القانوني.

كما شمل القرار بعدم المطابقة للدستور الفقرة الأخيرة من المادة 90، المتعلقة بحضور الأطراف عن بعد في الجلسات.

كما اعتبرت المحكمة أن الفقرتين الأخيرتين من المادتين 107 و364، اللتين تحرمان الأطراف من التعقيب على مستنتجات المفوض الملكي، تعد قيدا غير مبرر على حق الدفاع.

واعتبرت المحكمة كذلك أن إحالة المادة 288 على المادة 284 بدلا من 285 يشكل خطأ ماديا ومخالفة لمتطلبات وضوح القواعد القانونية.

وفي سياق آخر، أكدت المحكمة أن الفقرة الثانية من المادة 339، التي تنص على ضرورة تعليل القرار في حالة رفض طلب التجريح فقط، غير مطابقة للدستور لأن الدستور يوجب تعليل جميع الأحكام دون استثناء.

وقضت بعدم دستورية الفقرتين الأولى من المادتين 408 و410، فيما خولتا لوزير العدل إمكانية تقديم طلب الإحالة، وذلك لمخالفتهما مبدأ استقلال السلطة القضائية.

كما قضت المحكمة بعدم دستورية المادة 624 (الفقرة الثانية) والمادة 628 (الفقرتان الثالثة والأخيرة) لتخويل السلطة الحكومية المكلفة بالعدل تدبير النظام المعلوماتي لتوزيع القضايا وتعيين القضاة، مما يعد مخالفا لمبدأ فصل السلط واستقلال السلطة القضائية.

كما اعتبرت ان المقتضيات التي أحالت على المقطع الأخير من الفقرة الرابعة من المادة 84، في المواد 97 و101 و103 و105 و123 في فقراتها الأخيرة و127 و173 و196 في فقراتها الأولى و204 في فقرتها الثالثة و229 في فقرتها الأولى و323 و334 و352 و355 و357 في فقراتها الأخيرة و361 في فقرتها الأولى و386 في فقرتها الأخيرة و500 في فقرتها الأولى، و115 و138 و185 و201 و312 و439، غير مطابقة للدستور.

وأمرت المحكمة الدستورية بتبليغ نسخة من قرارها هذا إلى كل من رئيس الحكومة عزيز أخنوش، ورئيس مجلس النواب رشيد الطالبي العالمي، ورئيس مجلس المستشارين محمد ولد الرشيد، وبنشره في الجريدة الرسمية.

رد وزارة العدل 

وفي المقابل، رحبت وزارة العدل بقرار المحكمة الدستورية بشأن مشروع القانون، وأكدت أن “هذا القرار يشكل محطة دستورية هامة في مسار البناء الديمقراطي وتعزيز الضمانات القانونية داخل المنظومة القضائية الوطنية”.

وإذ “تؤكد الوزارة احترامها الكامل لاختصاصات المحكمة الدستورية واستقلالها، فإنها تعتبر أن هذا القرار يعكس حيوية المؤسسات الدستورية للمملكة، ويجسد روح التفاعل الإيجابي بين السلط، في إطار احترام مبدأ فصل السلط، وسيادة القانون، وحماية الحقوق والحريات”.

وأكدت الوزارة في بلاغ لها، أن “المسار التشريعي لمشروع قانون المسطرة المدنية طبعته مقاربة تشاركية موسعة، ومداولات غنية، سواء داخل الحكومة أو المؤسسة التشريعية”.

وأضاف البلاغ: “وقد حرصت الوزارة خلال مختلف مراحل إعداد المشروع على الاستماع لملاحظات وتوصيات كافة الفاعلين، بمن فيهم ممثلو السلطة القضائية والهيئات المهنية والمنظمات الحقوقية، كما جددت التزامها بمواصلة العمل في إطار روح الحوار المؤسساتي البنّاء، من أجل ملاءمة النصوص القانونية مع أحكام الدستور، وتطوير تشريعات تواكب التحولات المجتمعية وتكرّس مبادئ الأمن القضائي، والشفافية، والنجاعة في أداء مرفق العدالة”.

وفي هذا السياق، شدد وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، على أن وزارته “لا تخشى الرقابة الدستورية، بل تشجعها”، معتبراً أن القرار الأخير للمحكمة الدستورية “يُعزز المشروع الإصلاحي في إطار المؤسسات وبقوة المؤسسات”.

وأضاف وهبي في تصريح صحفي: “من يشكك في دور المحكمة الدستورية، إنما يشكك في روح الديمقراطية نفسها.. هذا القرار يفتح الباب أمام نقاش قانوني رفيع المستوى، ويعزز مشروعنا الإصلاحي داخل المؤسسات”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *