أما المطلب الأشد كوميدية، فهو  مطالبة منشور “جيل Z” بعقد جلسة علنية برئاسة الملك لمحاكمة الحكومة أمام الشعب.

جواد مكرم / Le12.ma

يبدو أن حركة “جيل Z”، في لحظة غضب جماعي، قررت لوحدها أن تضع دستور 2011 جانباً وتكتب دستوراً جديداً على مقاس “الدسكورد” و”التيك توك”.

فحين يقرأ المرء وثيقة المطالب التي قيل إنها وُجهت إلى الملك محمد السادس، سيجدها أقرب إلى “لائحة تمنّيات” طفولية تُناقض منطق الدولة الحديثة، وأبعد ما يكون عن “مذكرة سياسية”، أو بالأحرى تصلح أن تكون سيناريو لفيديو قصير من 60 ثانية.

مطالب عاطفية، خيال واسع، وجرأة منقطعة النظير على اقتراح خرق الدستور باسم إنقاذه.

كأننا أمام برلمان افتراضي يشتغل بـ”اللايكات” لا بالقوانين!..

فأول المطالب “العبقرية” هو إقالة الحكومة بجرّة قلم ملكي.

هكذا، بكل بساطة، وكأننا نتحدث عن حذف تطبيق مزعج من هاتف ذكي! هل قرأوا الفصل 47 من الدستور؟ ربما…

لكن على الأغلب مرّ عليهم مرور الكرام بين فيديو لتجربة “ميك أب” ومقطع ساخر عن المدارس.

يريدون ديمقراطية، لكن أول ما يقترحونه هو أن يضع الملك الدستور في سلة المهملات! هزلت!

ثم المطلب الثاني: حل الأحزاب الفاسدة بقرار ملكي.

يا لها من وصفة سحرية!

أما القضاء؟ والمحاكم؟ والمساطر القانونية؟ كل هذا تفاصيل لا تليق بجيل السرعة.

يكفي “أمر ملكي” وينتهي المشكل.

منطق يشبه الضغط على زر “block” لمسح الفساد من الحياة العامة.

أليس هذا جميلاً؟ لكن المشكل أن السياسة ليست هاتفاً ذكياً، والدستور ليس تطبيقاً للتجارب.

أما المطلب الأشد كوميدية، فهو عقد جلسة علنية برئاسة الملك لمحاكمة الحكومة أمام الشعب.

مطلب يجعلنا كما لو أننا أمام برنامج “ستاند آب كوميدي” مباشر، حيث يقف الوزراء واحداً واحداً ليُحاكموا بالتصفيق أو الصفير.

هل يريدون أن يتحول الملك، رمز الدولة وضامن الدستور، إلى منشّط للسهرة السياسية الأسبوعية؟!.

مشهد أقرب إلى المسرح منه إلى المؤسسات!.

الخطير أن هذه المطالب لا تكشف فقط حجم الجهل المهول بالنصوص الدستورية، بل تعكس ثقافة “القفز على المؤسسات”.

الحكومة لا قيمة لها، البرلمان لا دور له، القضاء غير مهم، والأحزاب لا تستحق إلا الحل.

مطالب بقدر ما تكشف من جهل مركّب ومن ضعف في التكوين السياسي، بقدر ما تفضح رغبة دفينة في الهروب من مسؤولية مواجهة الأحزاب عبر صناديق الاقتراع والمحاسبة الشعبية.

“جيل Z”، بوثيقته هذه، لا يطلب إصلاح النظام السياسي، بل يطلب إعادة صياغته على طريقة الألعاب الإلكترونية: restart عند الفشل، وskip عند الملل، وdelete عند الغضب.

لكن الدول لا تُدار بخيارات التحكّم السريع، بل بالمؤسسات والمسؤوليات الثقيلة.

بيد أن كل هذا لا يفهمونه، فهم يريدون إسقاط الحكومة كما يسقطون خصماً في لعبة إلكترونية، ويريدون حل الأحزاب كما يحذفون صديقاً مزعجاً من قائمة المتابعين، ويريدون مساءلة الوزراء كما يسألون “تشات جي بي تي” عن وصفة عشاء سريعة!!!.

المغرب لا يحتاج إلى ثورة “الديسكورد” ولا إلى دستور بـ”الستوري”.

ما يحتاجه هو وعي سياسي ناضج يعرف أن الملك رمز وضامن للأمن والاستقرار والوحدة الوطنية.

ومن يطالب الملك بتجاوز صلاحياته إنما يطالب في العمق بمحو الدستور. وهذا ليس إصلاحاً، بل أقرب إلى كوميديا سوداء، عنوانها: جيل Z… يريد ديمقراطية بلا مؤسسات، ودستوراً بلا دستور.

إن خطورة وثيقة “جيل Z” ليست في مطالبها الاجتماعية، التي قد تكون مشروعة، بل في جهلها الفاضح بآليات الدستور، بل والجهل الأعمى والمطبق بمفهوم الدولة، وبمطالب الشعوب المشروعة التواقة إلى الديمقراطية..

“جيل Z”، بهذا المنطق، لا يهدد الحكومة وحدها، ولا البرلمان ولا القضاء، بل يهدد فكرة الدولة نفسها!!! يريد تغيير المغرب دفعة واحدة، لكنه يرفض أن يقرأ الدستور الذي بين يديه.

المغرب لا يُبنى بالشعارات ولا باللايفات، بل بالوعي والمسؤولية.

ومن يطالب الملك بتجاوز صلاحياته الدستورية إنما يطالب في العمق بإلغاء الدستور نفسه.

وهذا ليس إصلاحاً، بل هو انتحار سياسي في وضح النهار…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *