في مشهد لم يسبق له مثيل، اهتزت إحدى ساحات الدار البيضاء على وقع “مواء” من نوع خاص، حيث تحولت الوقفة الاحتجاجية المناهضة لإبادة الحيوانات الضالة إلى مسرح سياسي-اجتماعي جديد، بلون فراء وبأربع قوائم.

لقد بات من الواضح أن الساحة العمومية لم تعد حكراً على البشر، وأن القطط المغربية، التي سئمت الاحتجاجات التقليدية، قررت “تنظيم صفوفها” بطريقة أكثر إبداعاً وتأثيراً.

​تصريح بصوت القطط

​كانت اللحظة الأكثر درامية في الوقفة هي التصريح الصحفي الذي أدلت به ناشطة تنادي بحقوق الحيوانات الأليفة، حيث اختارت أن تتحدث بصوت قطة، لتنقل المعاناة بلسان من لا حول له ولا قوة.

و​أكدت في تصريحها، الذي حمل شحنة عاطفية عالية، الظلم والاعتداء الذي تتعرض له القطط، قائلة: “أنا مشة أتكلم بصوت من لا صوت له، يعتدون عليّ ويقدمون لي السم ويعطوني الحاجة الخايبة اللي ما كيبغينيش ما يأدينيش.”

​ويشير هذا الجزء من التصريح إلى الممارسات المنتشرة للأسف، كالتسميم أو تقديم طعام ضار للقطط في محاولة لطردها أو التخلص منها، وهي أفعال ترقى إلى مستوى العنف ضد الحيوانات.

​نداء إنساني.. طلب الرحمة والتعقيم

​لم يقتصر نداء الناشطة على التنديد بالاعتداء، بل امتد ليشمل طلباً إنسانياً ووقائياً يهدف إلى إيجاد حل مستدام لمعضلة القطط الضالة والحد من تكاثرها غير المنظم.
​قالت الناشطة: “وأطلب من الله أن يرسل لي ناس قلبهم فيه الرحمة يرأف بي ويعقمونني”.

و​يُبرز هذا المطلب الحاجة الملحة إلى برامج تعقيم واسعة النطاق التي توصي بها المنظمات الدولية للرفق بالحيوان، كحل أخلاقي وفعال للسيطرة على أعدادها، بدلاً من اللجوء إلى القتل أو الإيذاء.

​العيش بسلام في الطبيعة.. أو بـ “كارطونة”

​انتقدت الناشطة بمرارة التناقض في سلوك بعض الأفراد والمجتمع تجاه هذه الحيوانات، مستنكرة الاعتداء عليها حتى في الشارع، وهو ما يعتبر مساحتها الأخيرة للحياة.

و​تساءلت الناشطة: “ماذا سيخسر إذا وضع لي كارطونة ويتركني أنا وأولادي نعيش في سلم وأمان في الشارع اذا لم يرد أن يربيني في منزله فليتركني في الطبيعة”.

​ثم أضافت بلهجة تحمل اللوم: “إذا ولدت في منزله يرميني، لماذا يعتدي علي ويتركني أنا عمياء أنا ويعتدي على أولادي”.

​مطلب أخير.. “يعطونا التيقار”

​اختتمت الناشطة تصريحها بمطلب بسيط ولكنه عميق، وهو طلب السلام وعدم الإيذاء من أولئك الذين لا يرغبون في وجود القطط.

​”أطلب من لا يريد القطط ما يأدينيش يعطونا التيقار”، في إشارة إلى أن الخيار الأدنى للتعامل مع هذه المخلوقات هو تجاهلها وتركها في حالها دون تسبب في الأذى.

​ويُعد هذا التصريح بمثابة جرس إنذار للمجتمع والجهات المعنية بضرورة مراجعة طريقة التعاطي مع الحيوانات الضالة، وتفعيل القوانين التي تجرّم الاعتداء عليها، وتوفير الدعم اللازم لبرامج التعقيم التي تخدم المصلحة العامة والرفق بالحيوان على حد سواء.

​وقفة من قلب الشارع

​وقد شارك في الوقفة العشرات من نشطاء حقوق الحيوان والمتعاطفين، حاملين لافتات كُتب عليها: “التعقيم لا القتل!”، و”هل نسيتم أننا خلق الله؟”، وصوراً لقطط تعرضت للقسوة.

أكد النشطاء أنهم سئموا الطرق التقليدية لمقارعة المسؤولين، وأن اللجوء إلى “تمثيل صوت الضحية” هو محاولة أخيرة لكسر جدار اللامبالاة الرسمي.

المطالب الأساسية للوقفة تضمنت الوقف الفوري والكامل لعمليات قتل وتسميم الحيوانات الضالة، تفعيل استراتيجية التعقيم والتلقيح والعودة (TNR) بشكل واسع وممنهج، وإنشاء مراكز إيواء صحية وإنسانية تحت إشراف هيئات مدنية وحكومية مشتركة.

يبدو أن “ثورة المواء” الجديدة قد بدأت، وهي تدعو إلى إعادة النظر في كيفية إدارة الملف البيئي والاجتماعي للحيوانات الضالة في المغرب.

إنها ليست مجرد صرخة قطط؛ إنها نداء للرحمة في مجتمع يطمح للتقدم.

إدريس لكبيش/ Le12.ma

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *