كل شيء بدأ من أكادير، حين الشرارة الأولى لم تكن سياسية ولا إيديولوجية، بل كانت صرخة كرامة بسيطة، عفوية وواضحة. حراك احتحاجي على تردي الخدمات الصحية، وبالتحديد في المستشفى الجهوي الحسن الثاني، بعد فاجعة وفاة ثماني نساء في قسم الولادة.
كانت المطالب إجتماعية صرفة، تدور حول حق المواطن في الحياة والرعاية والكرامة. لكن اليوم، يتبين أن من نصبوا أنفسهم “قيادة” لهذا الحراك بدأوا في تحويل البوصلة عن هدفها الأصلي. ولهذا السبب، يرفض تيار سوس ماسة، قلب الحراك النابض، أن تجرفه هذه اللعبة الخطيرة.
فمن داخل كواليس ما يسمى بحراك “الجيل Z”، لم يعد الغضب مجرد همس، بل أصبح صوتا عاليا يتردد في النقاشات الداخلية.
مرجع الغضب بدأ غليانه يتصاعد، أكثر فأكثر، ضد “قيادة” غامضة، قبل أن يتم تصديره للعلن ضمن بيان حازم أعلن فيه تيار سوس ماسة عن قطيعة باتت وشيكة، تكشف عن شرخ عميق بين مطالب الناس الحقيقية وأجندات من يحاولون فرض وصايتهم على صوتهم.
ففي هذا السياق، لم يعد سرا أن مناضلي أكبر تيار في الحراك، والذي تمثله جهة سوس ماسة، باتوا يشعرون بـ”الحكرة” الممنهجة.
فحسب شهادات من الداخل، تتعامل هذه القيادة المركزية الافتراضية، التي تدار خيوط منها من خارج الحدود، مع شباب الجهة بعقلية استعلائية، وكأنهم مجرد أدوات في معركة لا تخصهم.
النظرة الفوقية تجاه هوية المنطقة الأمازيغية، ووصفها بـ”الهامش” الذي يجب أن يتبع “المركز”، كانت القشة التي قصمت ظهر البعير.
“يظنون أنهم يستطيعون تطويعنا”، يقول ناشط شاب من أكادير، “لقد نسوا أو تناسوا أننا خرجنا لمطالب اجتماعية واقتصادية بسيطة وواضحة”.
“لم نخرج لنستنسخ شعارات إيديولوجية مستوردة أو لنكون جزءا من لعبة عنصرية مقيتة”.
قبل أن يضيف مناضل آخر “لم نخرج في البداية لنكون بيادق على رقعة شطرنج لا نعرف لاعبيها”، مستنكرا بدوره محاولة خطف المسار نحو المجهول.
هذه “الزعامة الوهمية”، كما يصفها كثيرون في تيار سوس، وأذكتها خطوة بيان التيار السوسي، تمارس ما يشبه “الديكتاتورية بغطاء نضالي”.
فهي تتهافت على الركوب على أي مطلب مشروع، وتحويله إلى “صفقة” لخدمة أجندة خارجية غامضة الأهداف.
تتجلى هذه الممارسة، حسب ما يتردد في الأوساط النضالية ذاتها، في محاولة فرض وصاية جغرافية وسياسية انتقائية، واحتلال رمزي لفضاءات لا تمت بصلة لخطابها، في محاولة يائسة لخلق انطباع بأنها تمثل الجميع، بينما هي في الحقيقة لا تمثل إلا نفسها ومن يحركها، في تعرية كاملة لنواياها.
وبات واضحا اليوم أن هذه القيادات الهلامية، التي تفتقر لأي وزن حقيقي في المشهد الوطني، تتقن فقط “الخطاب الإيديولوجي التخريبي”.
ويتردد في نقاشاتهم أن هدفها ليس الإصلاح، بل خلق مناخ من عدم الثقة لدفع المغرب نحو اتخاذ إجراءات معينة تخدم مصالح جهات خارجية.
هذه الهيئات تشتغل في تعتيم كامل، تماما كالخفافيش.
هي تعتبر المناضل المحلي مجرد أداة يمكن التخلص منها بعد الاستعمال. الشفافية هي أكبر أعدائها، ولذلك فإن أي محاولة لمساءلتها عن أهدافها ومصادرها تعتبرها خيانة.
” نحن نتبرأ بشكل مطلق من كل الصفحات المشبوهة “معصوبة الأعين”، التي تحاول التي حاولت جر النضال الاجتماعي إلى مسارات لم تكن إطلاقا ضمن الخلفية المعلنة، عبر التواطؤ “غير المقبول” وهو “ما دفعنا إلى إعادة حساباتنا، وإدراك أننا نواجه محاولة بائسة لتغيير المسار”.
ما يحدث اليوم في تيار سوس لم يعد في نظرهم مجرد خلاف تنظيمي، بل هو صحوة وعي، ورفض قاطع لأن يتحول الحراك المطلبي الاجتماعي إلى حصان طروادة لأجندات سياسية وخارجية لا علاقة لها بالخلفية الأولى البريئة للحراك.
فقد أثبت شباب سوس أنهم أكثر نضجا ووطنية من أولئك الذين يحاولون توجيههم عن بعد، وأن قلب المغرب النابض في سوس يرفض الأجسام الغريبة، ولا يمكن شراء ولائه أو استغلال كرامته، تاركين ما يسمى بـ”القيادة” تواجه فراغها الذي صنعته بنفسها، بعد أن فقدت بوصلتها الأخلاقية والسياسية، إن كانت تتوفر عليها أصلا.
*عادل الشاوي

هذا ما يريده الفساد. تصارعوا لتفشلوا. الهدف إسقاط الفساد . لا لتخريب الممتلكات العامة. لا للنهب