أهلاً بك أيها القارئ الكريم، في هذه التغطية المؤلمة لمؤتمر الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، ذلك الحدث الذي كان في زمن مضى يُشبه “الزلزال السياسي” الذي تُستقبل أخباره بالترقب والرهبة، قبل أن يتحول اليوم إلى “حفل زفاف” عائلي، أو بالأحرى، “وليمة جماعية” فاخرة!..
في سنوات خلت، لم يكن مؤتمر الاتحاد مجرد “لقاء حزبي” عابر.. كان أشبه بمسرح وطني تُعرض عليه فصول المستقبل.
كانت الأنظار كلها، من القصر إلى الكوخ، تتجه نحو هذه القاعة التي ستُقرر مصير “حزب النضال والتحرر والديمقراطية”.
كان الناس يتوقعون من المؤتمرين قراراتٍ “مزلزلة”، أو مواقف “تُبصّر” الأمة، وكان اختيار الزعيم/الكاتب الأول عملية “مخاض” سياسي حقيقي، لا تزكية “مُعلّبة” تُقدم مع طبق التحلية!..
أما اليوم، فالوضع اختلف جذرياً!
مؤتمر الاتحاد الاشتراكي لم يعد “مصنعاً للتاريخ”، بل صار أقرب إلى “دكان سياسي” يعرض بضاعته الرخيصة على قارعة الطريق، يترقب إشارة من الحكومة لـ “فتح باب” المشاركة بـ “مقعد” صغير، ولو في آخر الصف.
المؤتمر اليوم عبارة عن “مسرحية” من فصلين..
الفصل الأول.. وليمة التزكية
يبدأ المشهد بوفودٍ من “المؤتمرين/المُعيَّنين” الذين وصلوا لا ليُناقشوا أو يختلفوا، بل ليُصفقوا، لا ليُقرروا مستقبلاً، بل ليُزكّوا ما تقرر سلفاً!..
لا بأس، فالـ “ديمقراطية الداخلية” تتطلب بعض “التنازلات” من أجل “الوحدة الحزبية”… ويقصدون “الوحدة حول الكرسي”!..
النقاشات الحادة التي كانت يوماً ما مادة دسمة للصحافة (حتى المُعارِضة منها)، تحولت إلى “همهمات” خجولة، تنتهي بتمرير “الزعيم المفدى” بالتصفيق الحار، دون الحاجة إلى “بذل مجهود” في إقناع أحد أو منافسة أحد.
فالزعامة “بالوراثة” أو بـ “الإجماع المُوجَّه” أصبحت هي موضة العصر، في “حزب” كان بالأمس يرفع شعار “الرأي والرأي الآخر”!..
الفصل الثاني.. قراءة الفاتحة على الماضي المجيد
وبعد الانتهاء من “وليمة” التزكية، يجتمع المؤتمرون في حلقة أشبه بـ “مجلس عزاء” صغير، لقراءة “الفاتحة” على روح الحزب الذي كان.
يُلقي الزعيم الجديد/القديم خطاباً “حماسياً” يتحدث فيه عن “تاريخ الحزب العظيم”، و”نضالاته الجسام”، و”تضحياته الجسيمة”، والكل يستمع بـ “نوستالجيا” حزينة، وكأنهم يتحدثون عن “شخص عزيز” فقدوه ولن يعود!..
تُصبح قرارات المؤتمر مجرد “وصفات طبية” قديمة، لا يُمكن تطبيقها على “الواقع السياسي” الجديد الذي لا يرى في الاتحاد الاشتراكي سوى “ورقة قديمة” لا تصلح إلا للذكرى.
الخلاصة المُرّة
من حزب كان يصنع “تاريخ” المغرب الحديث ويُلهب “المواقف” الوطنية، إلى “دكان” سياسي صغير، يغلق أبوابه بعد “وليمة” شهية، ينتظر بصيص أمل لـ “استجداء” مقعد على عتبة الحكومة، مُتخلياً عن شعارات “المُعارضة البنّاءة” و”النضال من أجل الديمقراطية الحقة”.
إنها “تراجيديا” النضال حين يتحول إلى “تنازل”، وتراجيديا “الزعيم” حين يتحول إلى “مُزكَّى”، وتراجيديا “الحزب” حين يتحول إلى “وليمة” يُوزّع فيها الشاي والبسكويت، بدلاً من توزيع “المواقف” والقرارات!..
رحم الله الاتحاد الاشتراكي كما كان، وأطال الله عمره “كدُكان” كما أصبح!..
وليمة سعيدة للجميع، وتزكية موفقة للزعيم!.. إلى لقاء آخر في المؤتمر القادم، حيث سنُعيد قراءة “الفاتحة” مرة أخرى..
إدريس لكبيش / Le12.ma
