الرباط: le12.ma
ترى من دهى نعيمة عن بيتها ولعبها وعرائسها ولم تعد هذا المساء، الكل يبحث عن طفلة ذات الوجه البرىء وعمرها لا يتجاوز ربيعا الخامس، هل امتدت إليها يد شريرة من شياطين الجن أو البشر؟ لم تعد نعيمة إلى خيمتها وليس من عادتها أن تكون خارج البيت ، ماذا يمكن أن تصنع في الفيافي والصحراء وبين الهضاب والأحراش ونتؤءات، مرت ساعات بل وكرت مسبحة الأيام حتى امتدت شهرا ولا خبر يسر عن نعيمة المختفية قسرا.
نعيمة تلازم البيت، بالكاد تلعب مع صحيباتها قرب الزريبة هنيهة وتعود، يلعبن ببراءة حبلا ويقفزن على مربعات بعدما خططنا بالحجارة حدود لعبة الحجلة، ترى من أين تسلل الذئب كذئب ليلى في الحكاية التي تحكيها الجدة، عن الذئب الذي يتنكر في صورة إنسان ويلتهم الأطفال، كيف أغراك هذا الذئب لتبتعدي عن البيت؟ وقد يكون الإنسان ذئبا للإنسان في الواقع وليس في الحكاية فقط، نعيمة اختفت وأكباد الأحبة تتلهف عن خبر ولاسيما أمها الثكلى التي تفترسها الكوابيس، والأفكار السوداء ولا نبأ يسر عن نعيمة ربما أنهكها العطش والخلاء صحراء، ربما استبد بها الجوع أو لدغتها عقرب متسربة من حر الرمل، حتى تداولت الألسن مقتل نعيمة وبأي ذنب قتلت؟
بالأمس القريب في مدينة طنجة هتك ذئب بشري عرض الطفل الجميل عدنان ودفنه تحت شجرة مداريا الجريمة النكراء، وكانت كاميرات المدينة بالمرصاد أجلت معالم الجريمة، وهاهي نعيمة في بيداء الصحراء اغتصبت وقتلت ولم يخف لنجدتها أحد. لاريب بأن اغتصاب الطفولة بله قتلها عملية دائرة بصور مختلفة، ولعل ما يظهر إلا النزر القليل على السطح بواسطة وسائل الإعلام وقد زادت الهواتف الذكية والكاميرات المفتوحة وما تحفل به من دفق فيديوهات من كشف الكثير من الحقائق والتي كانت إلى يوم قريب مستورة وفي ظهر الغيب.
يحز في نفسك أن تجد طفلة في عمر ويناعة الورد تكون بضاعة للتسول أو بيع مناديل ورقية أو حلوى للعابرين، كم هو مؤلم أن تجد طفلة صغيرة خادمة في البيوت في حين أقرانها ينعمون بالمدرسة والدفء واللعب والترفيه والعناية والتطبيب والملبس وشهي الطعام والشراب، بيد أن أطفال يكدحون مع أبائهم وأمهاتهم بكرة وأصيلا من أجل بلغة عسيرة للعيش، وكثير من الأطفال من الجنسين يعيشون في الشارع العام، فتتجذر في وجدانهم الغلظة والقساوة، مما يجعلهم عرضة للضياع بالتعاطي للمخدرات والمسكرات والسرقة وتكوين عصابات ويكون المآل سجون الأحداث أو المستشفيات أو يلفظهم المجتمع فيهمون ويسرحون في الأزقة والطرقات مشكلين أخطارا على أنفسهم وعلى المارة، رفقا بالطفولة “في ضحكة الأطفال زرقة السماوات واتساع البحر ولمعان الأنجم، وفيها سلسبيل يجري ، ورائحة الأرض لما يزورها المطر”، لا أحسب إلا أن الخلل الكبير في المجتمع يأتي أصلا من إهمال الإهتمام اللازم بمرحلة الطفولة الأساسية لأنها مرحلة بناء وإعداد للمستقبل، حيث تنتظرهم على المستوى المنظور أدوار هامة يتحملون عبء مسؤوليتها داخل المجتمع.
المجرمون الذين تطوع لهم أنفسهم اغتصاب الأطفال هم بدورهم تعرضوا لقتل رمزي أو اغتصاب هز الوحش الراقد في أحشائهم، لابد أن تتدخل المعرفة الدقيقة والبحث العلمي لكبح جماح الظاهرة، فإعدام الجناة أو المقاربة القانونية ليست كافية لوحدها، فجنات الفساد فيروسات لها أكثر من رأس: اقتصادي، اجتماعي، نفسي وهلم تعدادا.
التربية لها دور أساسي لإصلاح الأعطاب التي تقوض بنية المجتمع، فكم من جريمة طويت من باب التكتم والتستر و”الحشومة”، مما يراكم هذه الجرائم الشنعاء ويجعلها في حساب المسكوت عنه، آن الآوان لنرفع الصوت وما كل صيحة تضيع في وأد وواد!
*المصطفى كليتي-قاص مغربي
