منذ متى صار المشتبه في نزاهتهم، والمطرودون من رحمة المصداقية العامة، أمناء على الإصلاح وناطقين باسم الجيل المغربي الجديد؟ .

ومنذ متى تُوجّه الرسائل إلى الملك باسم حركة شبابية خرجت بعفوية وجرأة لتقول “كفى من الفساد”، فإذا بها تجد نفسها فجأة مختطفة من زمرة من بائعي المواقف والمناصب، الذين يحاولون إعادة تدوير أنفسهم عبر بوابة “GenZ212″؟

أحمد عبد ربه / Le12.ma

الرسالة المفتوحة، التي وجهتها مجموعة من الأسماء إلى الملك محمد السادس، ليست مبادرة مواطنة ولا نداء ضمير كما يتوهم بعضهم.

إنها في جوهرها مبادرة مضادة للمؤسسة الملكية، ومضادة لحركة “GenZ212” ومطالبها الإصلاحية والتغييرية الديمقراطية.

فحين يحاول أشخاص (باستثناء وجوه نزيهة معدودة جدا) فقدوا وزنهم الرمزي، أو احترقت أوراقهم السياسية والأخلاقية، أن يلبسوا لبوس الناصحين، فذلك يعني شيئاً واحداً:

أنهم يبحثون عن إعادة التموضع، وعن شرعية جديدة لا يملكونها، إنهم سادة حسابات الربح والخسارة في ميزان التكسّب المقنّع!

تمويه في المطالب وتهافت في الخطاب

أخطر ما في هذه الرسالة ليس فقط من وقّعها، بل ما حاولت أن تُخفيه داخل خطابها الملتبس والمزدوج.

فبين سطورها، يبدو وكأنها تدافع عن الشباب وتطالب بالإصلاح، لكنها في الواقع تسعى إلى إعادة إنتاج الوصاية النخبوية على حركة جيلية مستقلة فكراً وممارسة.

تتحدث الرسالة عن “الحوار الوطني” و”السيادة الديمقراطية”، لكنها تُفرِغ هذه المفاهيم من مضمونها لتطالب، في العمق، بإنشاء “سلطة فوق الدولة”، أي سلطة النخبة التي تُملي على المؤسسات ما يجب فعله، متجاوزة الشرعية الدستورية والقانونية…

كما أن الرسالة تستعمل مطالب مشروعة، كإصلاح التعليم والصحة، كغطاءٍ لتمرير رسائل سياسية مبطّنة، تتوجّه إلى المؤسسة الملكية، وتُبرّئ الأحزاب، والحكومات السابقة، والنخب ذاتها التي كانت جزءاً من منظومة الفساد.

دخول الفار جيراندو على خط الرسالة المشبوهة
دخول الفار جيراندو على خط الرسالة المشبوهة

بعبارة أخرى، فإن “النية الإصلاحية” في هذه الرسالة ليست سوى قناعٍ لنية انتقامية، هدفها توريط القصر في مشهد فوضوي، وجعل الملكية تبدو وكأنها في مواجهة مباشرة مع الشارع.

نخبة الانتهازية والارتزاق

تضم اللائحة خليطاً غريباً من الأسماء: من مدانين في قضايا أخلاقية ومالية، إلى محكومين في ملفات اختلاس وسوء تدبير، إلى مثقفين من ورق يعيشون على فتات الندوات والمنح الأجنبية، إلى “حقوقيين” لم يذوقوا طعم النضال الحقيقي إلا على أرصفة السفارات.

مزيج من وجوه ظلامية تموّه خطابها “باليَسار” لتخدم أجندات ظلامية، وأخرى تتقن فن “القوادة السياسية” لفائدة القوى الظلامية باسم الحقوق والحريات، لكنها في العمق لا تؤمن لا بالديمقراطية ولا بالمؤسسات.

يكفي أن نقرأ الأسماء حتى نفهم أن المقصود من الرسالة ليس دعم الشباب، بل الركوب الانتهازي على احتجاجات حركة GenZ212 التي عبّرت، بصدق، عن مطالب إصلاحية ذات مضمون اجتماعي واقتصادي عميق.

هؤلاء الموقعون يريدون تحويل زخم الشارع إلى رصيد شخصي، وتفريغ نداء التغيير من معناه الوطني، لتحويله إلى ورقة مزايدة ابتزازية.

تشويش على الإرادة الملكية

إن توقيت الرسالة، قبيل افتتاح البرلمان، ليس بريئاً.

إنها عملية سياسية مشبوهة، هدفها خلط الأوراق، ودفع الدولة إلى التريث أو التراجع في خطواتها الإصلاحية القادمة، عبر خلق ضباب في المشهد العام وإيهام الرأي العام بوجود “صراع بين القصر والشعب”، وهي أكبر كذبة يسوّقها محترفو الأزمات ومقاولو الاحتجاجات.

خطاب الابتزاز المبطّن

المتأمل في لغة الرسالة يكتشف بسهولة نزعتها الابتزازية: محاولة تحميل المؤسسة الملكية وحدها مسؤولية الأوضاع، والمطالبة بإطلاق سراح مدانين ومتابعين في قضايا ذات طبيعة جنائية، وتسييس القضاء، وتجميد مشاريع وطنية استراتيجية بدعوى أنها “باذخة”.! أي منطق هذا الذي يساوي بين مشاريع التنمية الكبرى التي تضع المغرب في مصاف الدول الصاعدة، وبين الفساد الحقيقي الذي صنعه بعض الموقعين بأيديهم؟.

إنها نغمة قديمة تُستعاد اليوم تحت قناع جيل جديد.

نفس الخطاب، ونفس الأدوات، ونفس محاولات “المخزنة المعكوسة”: أي تحويل النقد من إصلاح المؤسسات إلى تحقير الجيل الجديد، مما يعني تحقيرا مضمرا لقدرات هذا الجيل، وكأنهم يقولون له أنت ما زلت في طور النمو، والتغيير ليس “لعبة الصغار” وإنما “شأن الكبار”!

سرّ التوقيت.. وعُقدة القصر

لماذا الآن؟.

لأن المبادرة الملكية المقبلة للإصلاح، حيث تتوجّه أنظار المغاربة إلى محطة افتتاح البرلمان، أرعبت هؤلاء، فتدخلوا في محاولة لإفشالها أو لقطف ثمارها، والمحاولتان معا تفضح انتهازيتهم البئيسة.

فهم يدركون أن أي إصلاح حقيقي سيعرّيهم، وسيُنهي زمن “الوساطة النخبوية” التي عاشوا ويتعيّشون منها.

لذلك يسابقون الزمن لتقديم أنفسهم كـ”قادة الرأي” أمام الخارج، وكأنهم ممثلو الشعب أو حماة الشباب، بينما هم في الحقيقة ورثة زمن الانتهاز، وأبناء مدرسة التشويش على الدولة من الداخل.

الدفاع عن الملكية هو دفاع عن التغيير الحقيقي

الملكية ليست خصم الإصلاح، بل هي شرطه، وهذا ما يجمع عليه الشعب، وهذا، أيضا، ما يركّز عليه الجيل الجديد، الذي قرّر “تعليق جميع الأشكال الاحتجاجية المقررة يوم الجمعة 10 أكتوبر”، وذلك “احتراما لمقام صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، وتقديرا لرمزية خطابه السامي بمناسبة افتتاح الدورة البرلمانية”، وفق الإعلان الذي نشرته الحركة اليوم الأربعاء، مع التأكيد أن “هذا القرار يأتي من منطلق المسؤولية الوطنية، وتشبثنا بثوابت الأمة ومؤسساتها الدستورية، وإيماننا الراسخ بأن الحوار الهادئ والبنّاء هو السبيل الأمثل لتحقيق المطالب المشروعة وترسيخ قيم العدالة والكرامة في وطننا العزيز”…

ما يحتاج إليه الجيل الجديد هو حزمة إصلاحية من جيل جديد، وليست من بيانات المقاهي أو رسائل الارتزاق.

و”GenZ212″، كحركة شبابية عفوية نابعة من الميدان ومن عمق الوطن، لا تحتاج إلى وصاية هؤلاء ولا إلى وساطتهم.

الملكية هي الحاضنة الطبيعية لكل طاقة إصلاحية صادقة، لأنها الضامن لاستمرارية الدولة ووحدة الوطن.

صرخة ذئاب في جلد خرفان

رسالة “النخبة الانتهازية” إلى الملك ليست سوى صرخة ذئاب في جلد خرفان. من كتبها لا يريد إصلاحاً، بل يريد موقعاً، ومن وقّعها (باستثناء قلّة قليلة) لا يسعى لمصالحة، بل يبحث عن غنيمة.
أما الشباب، الذين خرجوا يطالبون بكرامة وحرية وعدالة اجتماعية، فهم أكبر من أن يُختَطف صوتهم أو يُستعمَل وقوداً في معارك نخبوية انتهازية وابتزازية ضد الدولة وضد الملكية.

افتضاح مقاصد الاخوان وجماعة العدل والإحسان
افتضاح مقاصد الاخوان وجماعة العدل والإحسان

نقولها بصراحة في جريدة le12.ma

لقد آن الأوان لفضح هذا الجيل من “الأوصياء الجدد” على الوعي المغربي، الذين نجدهم دائما وأبدا على قارعة كل احتجاج: هذا الجيل، الذي خرف وهرف أغلبه، هو جيل منتهٍ الصلاحية، يحاول استنساخ نفسه داخل معركة لا تشبهه.

لكن المغاربة، في ذكائهم الجمعي، يعرفون من يخاطبهم بحب الوطن، ويعرفون جيدا أبناءهم وبناتهم وإرادتهم الصلبة والشامخة في التغيير الديمقراطي، كما يعرفون جيدا من يكتب الرسائل بحبر الحقد والارتزاق…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *