أعلن قصر الإليزيه، مساء الأحد 13 أكتوبر 2025، عن تشكيل الحكومة الفرنسية الجديدة برئاسة سيباستيان لوكورنو، في خطوة تهدف إلى إعادة استقرار المشهد السياسي بعد أسابيع من الجمود والاضطرابات، التي شهدتها باريس إثر استقالات متتابعة لرؤساء الحكومات السابقين.
الحكومة الجديدة تضم 34 وزيرًا، من بينهم 17 امرأة (مساواة كاملة)، وأكثر ما يميزها انضمام ثلاث وزيرات من أصول مغربية: رشيدة داتي (وزيرة الثقافة)، نعيمة موتشو (وزيرة ما وراء البحار)، ومونيك باربو (وزيرة الانتقال البيئي)، ما يعكس تنوعًا ثقافيًا ملحوظًا في صفوف الحكومة ويمثّل إرادة فرنسية في حضور الجالية المغربية في قلب القرار السياسي الفرنسي.
ثلاث وزيرات مغربيات: رموز للتمثيل والتنوع
رشيدة داتي، المولودة في فرنسا لأبوين مغربيين، تمثل أحد أبرز الوجوه السياسية ذات الأصول المغربية، بعدما شغلت سابقًا منصب وزيرة العدل في حكومة نيكولا ساركوزي.
داتي تحتفظ الآن بحقيبة الثقافة، لتواصل التأثير في السياسات الاجتماعية والفنية، وهي حافظة على حضورها القوي في المشهد السياسي الفرنسي.
أما نعيمة موتشو، المولودة في فال دواز لأبوين مهاجرين من ورزازات، فتولت حقيبة ما وراء البحار، مستفيدة من خبرتها السابقة كنائبة رئيس الجمعية الوطنية الفرنسية. موتشو تعتبر رمزًا للنجاح السياسي للجالية المغربية، وتجسد قدرة فرنسا على دمج التنوع في مؤسساتها الرسمية.
مونيك باربو، وزيرة الانتقال البيئي، تعد من أبرز المدافعين عن السياسات البيئية والتنمية المستدامة، ويُنظر إلى توليها هذه الحقيبة على أنه رسالة قوية حول أولويات باريس في مواجهة التحديات المناخية، مع إشراك خبراء من خلفيات متعددة.
فرص الحكومة الجديدة
تواجه الحكومة الجديدة تحديات سياسية واقتصادية كبيرة. على المستوى الداخلي، يجب على لوكورنو كسب ثقة البرلمان في مشروع ميزانية 2026، وسط توقعات بعجز يصل إلى نحو 5.4% من الناتج المحلي الإجمالي، وفي ظل معارضة شديدة من أحزاب اليمين المتطرف واليسار المتشدد.
تنوع الحكومة ووجود وزيرات من أصول مهاجرة يمكن أن يعزز شرعيتها ويكسبها دعمًا شعبيًا، لا سيما بين الشباب والجاليات المغاربية في فرنسا.
كما أن استمرار عدد من الوزراء السابقين في مناصبهم، مثل رولان ليسكير في الاقتصاد وآني جونيفار في الفلاحة، يوفر نوعًا من الاستمرارية التشغيلية الضرورية لمواجهة التحديات الاقتصادية الملحة، ويعطي مؤشرًا على أن الحكومة لن تكون مجرد تغيير شكلي بل محاولة للحفاظ على التوازن بين التجديد والاستقرار.
التحديات والاختبارات القادمة
مع ذلك، لا تخلو الحكومة الجديدة من نقاط ضعف.
الانقسامات السياسية داخل البرلمان قد تعرقل تمرير القوانين والمشاريع، خصوصًا في ظل معارضة مفتوحة من أحزاب يسارية ويمينية متشددة.
كما أن الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية المطروحة ستكون اختبارًا حقيقيًا لقدرة الحكومة على الموازنة بين الضرورات المالية والاحتياجات الاجتماعية.
على صعيد آخر، تحمل الوزيرات المغربيات مسؤولية مضاعفة، حيث سيكون نجاحهن أو إخفاقهن في مناصبهن ذات الرؤية الاستراتيجية مؤشرًا على قدرة الحكومة على دمج التنوع بشكل فعّال في السياسة الفرنسية، ويمثل أيضًا رسالة رمزية حول الانفتاح الفرنسي على مواطنيها ذوي الخلفيات المهاجرة.
اختبار سياسي لكفاءة لوكورنو القيادية
تشكل الحكومة الفرنسية الجديدة محاولة لإعادة الاستقرار السياسي والاجتماعي بعد فترة من الأزمات المتلاحقة، وتبرز فيها رموز التنوع الثقافي والتمثيل النسائي، بما في ذلك الوزيرات المغربيات.
ومع ذلك، يبقى نجاحها رهينًا بقدرتها على تجاوز التحديات الاقتصادية والضغط السياسي الداخلي، وتحقيق توازن بين الإصلاح والتوافق الوطني.
هذا المزيج من الفرص والتهديدات يجعل حكومة لوكورنو اختبارًا مهمًا لكفاءته القيادية ولقدرة فرنسا على مواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين.
“Le12.ma”: أحمد عبد ربه
