شهدت الساحة الإعلامية والرقمية المغربية مؤخراً موجة من المطالب غير المسبوقة، تصدّرتها أصوات شبابية تُصنَّف ضمن “جيل Z”، تُناشد جلالة الملك محمد السادس بالتدخل المباشر لإقالة الحكومة الحالية.
إ. لكبيش / Le12.ma
شهدت الساحة الإعلامية والرقمية المغربية مؤخراً تصاعد بعض الأصوات، لا سيما بين فئة الشباب التي تُصنَّف ضمن “جيل Z”، تطالب الملك محمد السادس بشكل مباشر ومُلِحّ بإقالة الحكومة الحالية.
وكشفت هذه المطالبات عن فجوة معرفية واضحة فيما يخص آليات العمل الدستوري وصلاحيات المؤسسات في المملكة المغربية.
صلاحيات الملك بين الدستور والتصور الشعبي
يستند النظام السياسي المغربي إلى دستور 2011، الذي أرسى قواعد ملكية دستورية برلمانية تحدد بشكل دقيق أدوار وصلاحيات كل من الملك والحكومة والبرلمان، وهنا يكمن جوهر الالتباس الذي وقع فيه جيل من الشباب.
إقالة الحكومة ورئيسها.. صلاحية برلمانية لا ملكية مباشرة
بخلاف التصور الشائع، لا يملك الملك الحق الدستوري المباشر في إقالة رئيس الحكومة أو الحكومة بكاملها بمبادرة منه.
إنهاء مهام الحكومة ينص عليه الفصل 47 من الدستور، حيث يترتب إعفاء الحكومة بكاملها عن استقالة رئيس الحكومة، ويصدر الملك ظهيراً بهذا الإعفاء، كما يعني أن الإقالة تأتي كنتيجة لقرار رئيس الحكومة نفسه، وليست بمبادرة ملكية مباشرة.
أما الآلية الدستورية الطبيعية لإنهاء مهام الحكومة فهي سحب الثقة في البرلمان، وتحديداً في مجلس النواب، عبر آلية ملتمس الرقابة، حيث أن هذه الآلية تضع عبء المساءلة والقرار السياسي بيد الممثلين المنتخبين للشعب.
إعفاء الأعضاء (الوزراء).. صلاحية ملكية مشروطة
أما بالنسبة لأعضاء الحكومة (الوزراء)، فإن الدستور يمنح الملك حقاً في الإعفاء، لكنه يظل حقاً مقيداً بضوابط: للملك الحق في إعفاء عضو أو أكثر من أعضاء الحكومة بمبادرة منه، لكن الفصل 47 يشترط استشارة رئيس الحكومة قبل ذلك.
ويتم الإعفاء أيضاً بناءً على طلب رئيس الحكومة نفسه، سواء كانت استقالة فردية أو جماعية للوزراء.
رسالة الجيل ومعضلة الوعي القانوني
إن مطالبة جيل Z للملك باستخدام صلاحية غير منصوص عليها دستورياً لإقالة الحكومة تُعتبر مؤشراً خطيراً على انخفاض مستوى الثقافة الدستورية والقانونية لديهم.
فبدلاً من توجيه الضغط نحو البرلمان (المؤسسة التي تملك فعلياً آليات سحب الثقة) أو حتى توجيه النقد الفعال والموضوعي للأداء الحكومي، يختار الشباب الطريق الأسهل والأقل فعالية قانونياً: مناشدة “الفاعل التحكيمي” في النظام (الملك، بموجب الفصل 42) لحل مشكلة تدخل في صميم عمل “الفاعل التنفيذي” و”الفاعل التشريعي”.
هذا التوجه يكرس، عن غير قصد، تجاوز القنوات الديمقراطية والعودة إلى تصور تقليدي لدور الملك يتجاهل التحديثات التي أتى بها دستور 2011، والتي نقلت المغرب خطوات واسعة نحو دولة المؤسسات.
في نهاية المطاف، يبقى “جيل Z” قوة دفع للتغيير، ولكن فعالية هذه القوة مرهونة بمدى إدراكه للعبة السياسية وقواعدها الدستورية.
