عبد الرحيم التوراني

بعد أن أخبروه بأن فريق كرة قدم من المغرب قد احتفى به وبروايته الشهيرة (1984) من خلال “تيفو” كتبت عليه “الغرفة 101″، اتصل جورج أورويل بوكيل أعماله وطلب منه رفع دعوى قضائية ضد من اقتبس من أعماله من غير إذن مسبق.

كان جورج أورويل يعلم أنه لن يكسب الشيء الكثير، حتى لو ربح الدعوى. كان غضبه الشديد نابعا من كرهه للعبة كرة القدم. لكن وكيل أعماله هدّأ روعه وطمأنه بأن التيفو المذكور سارت بذكره الركبان وأن الجماهير الرياضية قد تقبل اليوم على اقتناء روايته المشهورة وتتعرف عليه.

أخذ الكاتب علبة دواء كانت فوق مكتبه، وتناول حبة منها للاستشفاء من مرض السل. ثم هدأ وابتسم قائلا:

-لا بأس، لكنْ لا بد من إخبار أولئك الحمقى والمجانين ممن يبتهجون ويستمتعون ويرقصون كالمجاذيب في ملاعب الدار البيضاء وغيرها بأني لست راضيا عنهم ولا أحب حماقتهم ولا أحب كرتهم.. واقرأ عليهم من كلماتي: “إن كرة القدم ليست مجرد لعبة، ولكنها أعمق من ذلك. إنها طريقة لإعلان القتال بين الأمم المختلفة، ولكنْ في ساحة خضراء وبوجود قاضٍ. إنها الحرب دون إطلاق نار. لا توجد هناك علاقة بين كرة القدم واللعب المنصف، فهي لعبة مرتبطة بالكراهية والغيرة، إهدار للأموال وإسراف مبالغ كبيرة وتجاهل جميع القواعد وسادية المتعة في مشاهدة العنف.. وبعبارة أخرى، إنها كالحرب بدون إطلاق النار”.

اقترب منه وكيل الأعمال وهمس في أذنه: 

-لكنهم يا جورج اختاروا، عن طريق أدبك، التعبير والاحتجاج عن غياب العدالة في بلادهم ورفضهم الظلمَ والاستبداد، وأن جمهور الديربي هم من أبناء الدار البيضاء، وهي مدينة عمالية.. 

قاطعه جورج أورويل رافعا يده: 

-نعم، ولكن ليس بكرة القدم وفي الملاعب سنحصل على الديمقراطية… وصلني أن أعضاء الأولتراس يدخلون الملعب ويعطون ظهورهم للمباراة، هم لا يتفرجون بقدر ما يشجعون ويهتفون لفريقهم حتى الدقيقة الأخيرة من المباراة، فيما الباقون، وهم الأغلبية من المتفرجين الحقيقيين، تظل عيونهم  شاخصة وقلوبهم خافقة حتى دخول الكرة إلى المرمى.. وبهذه النتيجة “شي حاجة ما قْضيناها!”..

وقف جورج أورويل واتجه لصاحبه:

-عليك أن تغادر الآن، فأمامي تحرير مقالة جديدة للصحيفة.

وهو بالباب مازح الوكيل الكاتب:

-هل هي مقالة أم تقرير استخباراتيّ؟!

رد أورويل عليه بحزم:

-لا، إنه موضوع عن الطبقة العاملة، “إن رأيي في هذه الطبقة أنها الاحتمالية الوحيدة للبشرية، باعتبارها الطبقةَ التي ستحقق أكبر استفادة من إعادة بناء المجتمع”.

ولم يغادر الوكيل إلا بعد أن ألح على جورج في أرويل ترديد عبارة “ديما راجا.. ديما وداد”.

لكن لكنته الإنجليزية لم تسعفه فنطقها:

-دم رجا.. دم وداد.

عبد الرحيم التوراني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *