ضياء عودة – الحرة
بحضور شخصيات أمنية بارزة، ووجهاء عشائر المنطقة، تشهد مدينة دير الزور، شرقي سوريا، إجراء عمليات “التسوية”، في تطور هو الأول من نوعه من جانب النظام السوري، في المحافظة التي يتقاسم السيطرة عليها عدد من أطراف النفوذ.
وبينما تصف صحيفة “الوطن”، شبه الرسمية، هذا التطور بأنه “مكرمة من الرئيس بشار الأسد”، منحها للمطلوبين أمنيا والمنشقين عن قواته، يجادل نشطاء وباحثون سوريين، ومسؤولون في القوات الكردية، بأنها بمثابة مقدمة لسلسلة أهداف مقبلة غير معلنة.
وتعتبر عمليات “التسوية” مشروع روسي بامتياز، كانت موسكو أطلقت مساره قبل سنوات عديدة، خاصة عقب السيطرة على المناطق التي كانت بيد فصائل المعارضة المسلحة، مثل الغوطة الشرقية وريف محافظة حمص، وأخيرا في محافظة درعا، جنوبي البلاد.
ويستهدف هذا المشروع المطلوبين بقضايا أمنية وجنائية، بالإضافة إلى المنشقين عن الخدمة الإلزامية والاحتياطية في الجيش السوري، على أن يُمنح كل شخص يمضي بالمراحل المنصوص عليها “بطاقة تسوية” تتيح له التنقل داخل مناطق البلاد الخاضعة بالأصل لسيطرة النظام السوري، وبالتالي كف البحث الأمني الذي صدره بحقه قبل سنوات.
بغطاء عشائري
وتنقسم السيطرة في محافظة دير الزور بين قوات النظام السوري وحلفائها من جهة، و”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) المدعومة من التحالف الدولي من جهة أخرى، ويعتبر نهر الفرات الخط الفاصل بين مناطق سيطرة الطرفين.
واللافت أن “التسوية” تأتي في سياق تطورات ميدانية على الأرض، إذ تأتي عقب محاولات متكررة لروسيا للدخول إلى مناطق الريف الغربي من المحافظة، وتتزامن مع التوسع العسكري لقواتها في مناطق بريف محافظتي الحسكة والرقة.
وقالت وكالة الأنباء السورية “سانا”، الاثنين، إن العملية “شاملة” وخاصة بأبناء محافظة دير الزور، مشيرة إلى أنها تشمل كل من لم تتلطخ يداه بالدماء من المدنيين المطلوبين، والعسكريين الفارين، والمتخلفين عن الخدمتين الإلزامية والاحتياطية.
ونقلت الوكالة عن شيخ قبيلة البكارة، نواف البشير قوله: “هي بمنزلة رسالة لجميع أبنائنا الذين غرر بهم”، فيما أشار شيخ عشيرة البوسرايا، مهنا الفياض، إلى أن العملية “شاملة ونهائية”، داعيا جميع أبناء المحافظة في الداخل والخارج “لاستثمار هذه الفرصة”.
من جانبه يشير الصحفي السوري في شبكة “عين الفرات” المحلية، أمجد الساري، إلى أن “التسويات وعمليات المصالحة التي تتم الآن في دير الزور كان قد سبقها تحركات عدة في هذا الخصوص”.
ويقول الساري لموقع “الحرة”: “كان هناك تنسيق قبل ثلاثة أشهر وحديث عن إطلاق هذا المسار. في الوقت الحالي بدأ بالفعل بغطاء عشائري، عبر شخصيات موالية لإيران مثل نواف البشير، وبإشراف من كبار الشخصيات الأمنية في مقدمتها رئيس إدارة المخابرات العامة اللواء حسام لوقا”.
ولا يتجاوز عدد الأشخاص الذين توجهوا إلى الصالة الرياضية في دير الزور لإجراء التسوية 50 شخصا، بحسب الساري، موضحا “قدموا بالأصل من مناطق سيطرة الروس والإيرانيين ونظام الأسد، وبينهم عناصر من ميليشيا الدفاع الوطني”.
ويتابع الصحفي السوري: “هنالك قسم من كبار السن تحديدا، لديهم أملاك وأراض بمناطق سيطرة النظام، وذهبوا لإجراء التسوية بغرض تثبيت ملكية أراضيهم لضمان عدم سرقتها”.
وقال “المرصد السوري لحقوق الإنسان”، الاثنين، إن المقر الذي بدأت فيه “التسوية” (الصالة الرياضية) شهد حضورا خجولا لعشرات الأفراد فقط، قادمين من مناطق نفوذ الإيرانيين في دير الزور.
وأضاف المرصد: “من المقرر أن التسويات التي انطلقت في مدينة دير الزور ستنتقل بعدها إلى الريف الغربي، ثم إلى مدينتي البوكمال والميادين وأريافهما، وصولا إلى الريف الشمالي”.
ليس مثل درعا والغوطة
وعلى مدى السنوات الماضية لم تختلف طبيعة الأطراف المسيطرة على محافظة دير الزور، لكن بالصورة الداخلية كان هناك تحركات لافتة عدة، بينها تلك التي أقدمت عليها ميليشيات طهران من جهة، ومؤخرا روسيا وقوات النظام السوري.
وبينما استمرت الميليشيات الإيرانية باستقطاب الشبان للعمل ضمن صفوفها، وهو ما أكدته تقارير كثيرة سورية وغربية، اتجهت روسيا لبسط النفوذ لكن بشكل مختلف، أولا من خلال تثبيت عدة نقاط في المنطقة، والآن بموجب عمليات “التسوية” الدائرة، والتي تتعدى حدود المناطق التي تستهدفها.
وفي تصريحات متلفزة له لم يفصل قائد “قوات سوريا الديمقراطية”، مظلوم عبدي، ما يحصل في ريف الحسكة والرقة عما تشهده مدينة دير الزور، ملمحا إلى دور تلعبه روسيا والنظام السوري تحت غطاء المصالحات و”التسويات”.
وأكد عبدي أن خريطة السيطرة “لن تتغير في شرقي الفرات قبل التوصل إلى تسوية شاملة للقضية السورية”، مضيفا أن النظام السوري “يريد تسوية الأوضاع شرقي الفرات، على طريقة المصالحات التي أجريت في مناطق سورية، لكن الأمر مختلف هنا”.
وأشار المسؤول الكردي: “الوضع مختلف تماما في شرق سوريا. لسنا مثل درعا والغوطة والسويداء. مشكلة المنطقة سياسية بالدرجة الأولى ولا يمكن حلها بالمصالحات والعفو”.
واعتبر عبدي: “هم يراقبونا عن قرب (روسيا والنظام السوري) كلما ارتفعت حدة التهديدات التركية. يحاولون الحصول على تنازلات كالعودة إلى مناطقنا دون اتفاق”.
رسائل على أكثر من جانب
ومنذ تطبيق “التسويات” في غوطة دمشق الشرقية وريف حمص ودرعا، وحتى الآن، لم تتضح الأهداف المرجوة منها، سواء الآنية أو المستقبلية.
ومنذ ثلاث سنوات تغيب الأخبار المتعلقة بمناطق الغوطة الشرقية والمناطق الأخرى، التي دخلت في “التسويات”، كريف حمص الشمالي.
أما درعا، التي انتهت من هذه العملية قبل أسابيع قليلة، فلا توجد أي مؤشرات حتى الآن عن ثبات حالة الاستقرار، وهو ما تؤكده الاغتيالات المتصاعدة خلال الأيام الماضية، آخرها في مدينة الصنمين، بمقتل 4 مدنيين، في هجومين منفصلين.
ويرى الباحث السوري، وائل علوان، أن “تسويات النظام في المناطق الخارجة عن سيطرته، خاصة في شرق سوريا لن تنجح مستقبلا، بسبب التخوف المستمر من عدم جدية الضمانات، وتخوفات أخرى تتعلق بالنفوذ الإيراني المتوغل في مناطق دير الزور”.
ويضيف الباحث لموقع “الحرة”: “وصول التسويات إلى دير الزور أراه يرتبط بعدم قدرة الروس على تسيير دورية في مناطق قسد مؤخرا، حيث اعترضها الأهالي والمجلس العسكري”.
وبعد فشل تسيير تلك الدورية كان هناك مبادرة من قبل نواف البشير، حيث أقنع فيها الروس بإجراء تسوية تمكنهم من تغيير انطباع أهالي المنطقة، وهو ما حصل بالفعل.
ويتابع علوان: “نواف البشير أحد أسباب الإشكال حيث يمثل النفوذ الإيراني ضمن البيئة العشائرية، وبالتالي لا يمكن أن يكون جزءا من تسوية أو حل يقترحه الروس للمنطقة”.
وفي المقابل يذهب الناطق باسم “لجان المصالحة في سوريا”، عمر رحمون، إلى مسار مختلف عما دار الحديث عنه سابقا.
ويقول رحمون في تصريحات لموقع “الحرة”: “بعد نجاح مصالحة درعا بدأت التسوية اليوم بدير الزور لإعادة تأهيل الحياة في المنطقة الشرقية، ومنها فتح الباب لقسد للدخول في التسوية”.
ويضيف رحمون أن مسار التسويات سيبقى مستمرا في عموم سوريا، على أن يتم تطبيقه في محافظة إدلب شمالي غربي البلاد.
واعتبر الناطق باسم لجان المصالحة المقيم في دمشق أن “مسار التسوية في دير الزور هو خدمة للأهالي، وبنفس الوقت سيفتح الباب واسعا لاستيعاب منطقة شرق الفرات التي تشهد ضغوطا ستؤدي بها للعودة إلى التسوية والمصالحة”.
