بينما منحت حكومة بريطانيا شرطتها صلاحيات أوسع لتقييد الاحتجاجات، لم تُسمع أصوات الإدانة، مثلما يحدث حين يتعلق الأمر بتدخل أمني مغربي

بينما منحت الحكومة البريطانية شرطتها صلاحيات أوسع لتقييد الاحتجاجات عقب هجوم دموي في مانشستر، لم تُسمع أصوات المنظمات الحقوقية الغربية ولا حتى بيانات الإدانة التي اعتادت ملء الفضاء الإعلامي عند كل تدخل أمني في دول الجنوب. لم تُسجَّل وقفات احتجاجية أمام البرلمان البريطاني، ولا بيانات عاجلة من “هيومن رايتس ووتش” أو “العفو الدولية” تتحدث عن “قمع الحريات” أو “تقييد الحق في التظاهر”، كما يحدث حين يتعلق الأمر بتدخل أمني مغربي لاحتواء احتجاجات انزلقت إلى التخريب والعنف ومحاولات اقتحام مؤسسات أمنية.

اللافت أن القرار البريطاني جاء مباشرة بعد عملية دهس وطعن استهدفت كنيسًا في مانشستر، فكان ردّ الدولة حازمًا وسريعًا بتوسيع صلاحيات الشرطة وتقييد التظاهرات المؤيدة لفلسطين، تحت ذريعة “الخوف الذي انتاب الجالية اليهودية”. ومع ذلك، لم تُتهم لندن بانتهاك حرية التعبير ولا باستعمال “شعار الأمن” لقمع الصوت الآخر. بل سارع الإعلام الغربي إلى تفهّم الإجراءات وتبريرها، مبرزًا مسؤولية الدولة في “حماية السلم المجتمعي”.

في المقابل، يكفي أن تستخدم الشرطة المغربية الغاز المسيل للدموع لتفريق مظاهرة غير مرخّصة، حتى تنهال عليها تقارير تنتقد “العنف الأمني” و”تكميم الأصوات”، دون أي اعتبار لسياق الحدث أو حجم المخاطر المترتبة على الفوضى. بل حتى حين تتحوّل بعض الاحتجاجات إلى محاولات اقتحام مراكز للدرك والحصول على أسلحة نارية، وهو عمل إجرامي يقع تحت طائلة قانون الإرهاب، تبقى الرواية الحقوقية الغربية أسيرة قوالبها الجاهزة التي تختزل الدولة المغربية في مشهد “القامع”، وتتجاهل أن الأمر يتعلق أحيانًا بتطبيق صارم للقانون لحماية الأرواح والممتلكات.

الفرق هنا ليس في المبادئ بل في الجغرافيا السياسية. فحين تتحرك الشرطة البريطانية باسم “الأمن العام”، تُصفّق لها الصحافة وتبرّرها السياسة. أما حين تتحرك الشرطة المغربية لاحتواء الفوضى، تُدان الدولة ويُشكّك في نواياها. إنها ازدواجية أخلاقية تُفرغ الخطاب الحقوقي الغربي من صدقيته، وتحوّله إلى أداة انتقائية تخدم مصالح ونفوذًا أكثر مما تخدم كرامة الإنسان. نتحدّث هنا عن الغرب، ولا نولي بالا للعديد من المنشورات المكثّفة المعادية للمغرب، لأنها نابعة من أيادي معادية معروفة بعدائها للمغرب ولقضاياه الوطنية، ولوحدته الترابية، ةلاستثماراته الاقتصادية الكبرى، ولنجاحه في التحوّل إلى قبلة لتنظيم التظاهرات العالمية والقارية الكبرى، الفنية والرياضية والاقتصادية والسياسية، وليس صدفة أن تخترق أصوات مشبوهة احتجاجات “جيل Z”، فيختلط الحابل بالنابل حين يختلط على الأبصار مطالب الصحة والتعليم بكأس إفريقيا وكأس العالم!!!

إن الحريات لا تُقاس ببلد دون آخر، ولا تُمنح بطاقة بيضاء في لندن وتُسحب في الرباط. فالاحتجاج السلمي حق، كما أن حفظ الأمن واجب. والعدل بينهما لا يقوم على هوية البلد، بل على نزاهة المعيار. ولعلّ ما يثير السخرية أن من يبرّر اليوم القبضة الحديدية في مانشستر هو نفسه من يندّد غدًا بإجراء وقائي في الرباط أو الدارالبيضاء أو طنجة أو مراكش وأكادير وكلميم…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *