عبد الرزاق بوتمزار
ح. 53
حيّ الفتح -بابْ الرّواحْ.. رحلة الذهاب والإياب
أن تجد نفسك مُجبَراً على الاستيقاظ -وفي أوقات مبكرة-وتنتظر حافلة تمضي أكثر من نصف ساعة، أحيانا، لتوصلك إلى باب الكلية معناه أن تُلزم نفسَك بما يشبه نظاما عسكريا تفرضه على نفسَك حتى لا تتخلى، في يوم من الأيام، وتتأبّط حقيبتك وتُلقي بجسدك المنهك في أول قطار مُتوجّه إلى الجنوب وقد ألغييتَ من دائرة تطلعاتك مطمحَ الحصول علىالإجازة، خُصوصا ولديك أولى لم تنفعك في شيء..
أن تبدأ مشوارا دراسيا جديدا من سنتين بدون منحة معناه أن تتحمّل الكثير ويتحمّل معك، بالخصوص، من نذر نفسه للتكفل بك (بالإيواء والإطعام والإلباس) جزءا كبيرا من محنتك الجديدة في غربة اختيارية/ إجبارية في سبيل الحرْف، ولا شيءَ غيرِ الحرف؛ فتحية إخاء ومودّة إلى الإخوة بوتمزّار في شخص العزيزِ، دوماً حسن..
كانت السنتان اللتان أمضيتُ في الرّباط مليئتين بالأحداث والوقائع واللحظات المميَّزة التي انحفرت عمياً في ذاكرتنا الجمعية. ألزَمْنا أنفسنا بالتقيد بجدول الزّمن الجامعيّ الجديد، الذي كان يفرض علينا حضور جميع الحصص، التطبيقية في معظمها.
تعلّمْنا، على الخصوص، أبجديات التعامل مع “الكمبيوتر”، أساس كلّ ما يرتبط بعلوم النّشر والكتاب. تعرّفنا جزءا من تاريخ المطبعة وقمنا بزيارات ميدانية إلى مطابعَ ودُورِ نشر واحتككنا، كثيرا، بمجال أعشقه إلى حدود لا توصف. درسْنا، أيضا، القواعدَ الأساسية للمُحاسَبة العامّة وللخط العربي وللترجمة ولعلوم وموادّ مرتبطة بصناعة الكتاب، في شقّيها النظري والتطبيقيّ.
كانت أيامُ الدّراسة تمضي بتثاقل شديد. كنّا مجموعةَ مُجازينَ ملوا فصولَ الدّراسة ومُحاضَرات الأساتذة المتعاقبين؛ لكنْ لم يكن أمامَنا، بخلاف ما كان عليه الحال في السّابق، خيارُ أنْ “ننسلّ” من حجرات الدّرس وننزوي في خزانة الكليّة، في مقصفها أو في أيّ مكان آخر.. صار لزاما علينا المُواظبة على الحضور وتحمّل ما يقول الأستاذ المُحاضِر، أحببْنا حصّته أم كرهناها.
أكثرَ من ذلك، كانت أسماؤنا ووجوهُنا معروفة، منذ اليوم الأول، لدى الأساتذة؛ بحُكم أننا لم نكن أكثرَ من تسعة طلبة حكمتْ علينا أقدارُنا التعيسة بأنْ نمضي سنتين أخرَيَيْن من أعمارنا في حجرات الدّرس.
وبدأتْ تفاصيلُ التزام جديد في أجندة إجازة “مُطبَّقة” أحدِثتْ قبل سنوات قليلة في جامعة محمد الخامس، والتي سمعنا، في ما بعدُ، أنّ مجموعتَنا كانت آخرَ فوج يتخرّج منها، لـ”تُغلَق” الشّعبة، وكأنها لم تكنْ في يوم من الأيام..
بحُكم بُعد الكلية عن مسكني، ولأنّ الجدول الزّمني يتضمّن حصصا دراسية صباحية وأخرى مسائية في معظم أيام الأسبوع؛ كنا، في الغالب، نمضي يومَنا بالكامل داخل الكلية أو في الفضاءات والأمكنة المحيطة بها. نتناول غداءَنا في مطعم الحيّ الجامعي أو في حديقة قريبة، مُستظلّين بتاريخ سور باب الرّواحْ. نمرح قليلا ونتسلى باستعادة ما يجري داخل حُجرات الدّرس مع كلّ أستاذ على حدة، في انتظار وقت الحصص المسائية.
.
