عبد الرزاق بوتمزار

 

ح. 38

عْويطة وْنَوالْ..

كانت ألعاب لوس أنجلس في “أمريكا” -1984 مُناسَبة لبطلَي الرّياضة الوطنية سعيد عويطة ونوال المتوكل لكي يشُدّا إليهما أنظار المغاربة حتى ساعات مُتأخّرة. كنّا نستنفر جميع أسلحتنا المتاحة لنحارب النّعاس المُتربّصَ بجفوننا أمام “صندوق العجب”! وقتذاك، كانت أجهزة التلفزيون (تلفزيوننا على الأقلّ) صندوقاً حقيقيا يختار بدقة أوقاتاً غيرَ مُلائمة بتاتاً كي يُصاب بأعطاب مباغتة وغير مفهومة. وكانت أمّهاتنا لا يتردّدْن في تذكيرنا، من حين إلى حين، بأنّ الوقتَ مُتأخّر ويجدُر بنا الالتحاق ببطانياتنا. لكنّ كلّ تنبيهاتهنّ لم تكن لتجعلنا نيأس للحظة من أمل متابعة أحد سباقات نوال أو عويطة. كما أنّ البطلين كانا في مستوى انتظاراتنا؛ فقد استطاعت نوال أن تعتلي منصّات التتويج في بطولة عالمية من حجم الألعاب الأولمبية، لتكون العدّاءة العربية الأولى التي تُحقق هذا الإنجاز.. أمّا عويطة فكان الفرَسَ المغربيَّ الأصيلَ الذي تَسيّدَ، بعبقريته وقدراته البدنية والتكتيكية والنفسية، مداراتِ سباق المسافات المُتوسّطة والطويلة لزمن طويل.

بعد أن حاز الذهب، رفقةَ المُتوكّل، في دورة أمريكا للألعاب الأولمبية، صار يكفي عويطةَ أن يختار المسافةَ التي سيُشارك فيها خلال أحد المُلتقيات كي يضبطَ المغاربةُ عقاربَ ساعاتهم على موعد السّباق. كان رائعا ومُدهشاً، عويطة.

لم يكنْ يكتفي بالفوز بالسباق؛ بل يصنع، بمُوازاة ذلك، “فرجة” من نوع خاصّ في مدارات العدْو. يتجاوز جُلّ العدّائين، الذين يُفترَض فيهم أن يكونوا مُنافِسين له داخل المضمار، بدورة كاملة أو بدورتين، قبل أن يُعلن نفسَه -تسبقه ابتسامته الساحرة- فائزاً أولَ ومُطلقاً. كنّا نتسمّر، بالسّاعات، أمام التلفزيون كلما نُظمت مُظاهَرة يشارك فيها، مُنتظرين بحماس لحظةَ بدء سباقه. وكان، من جانبه، يكافئ تعاطُفَنا شكلاً وخاتمةً.

وإذا كان عويطة لوحده مَن كان يعدو في الواقع في تلك السّباقات فقد كان جميع المغاربة ينتشُون معه بلحظات التّتويج ورفع العلَم الوطني في ملاعب العالَم. كما أنّ أجيالاً من الشّباب حينها كانوا يتخيّلون أنفسَهم مكانَه في المضمار؛ ومنهم مَن استطاعوا تحقيق الحلم سنواتٍ بعد ذلك..

كان المغاربة يتصورون أنفسَهم مكانَ ذلك “القطار” المغربي السّريع الذي قهَر جميع أبطال زمانه. من جهته، كان عويطة وكأنه يستمدّ طاقته من آمال المغاربة المُعلَّقة عليه، فيُهدي وطنه لقباً إثرَ لقب ويُحطّم الرقم القياسي تلو رقم.

وإنْ هي إلا عامان على ظاهرة عويطة ونوال في لوس أنجلس حتى جاء دور رياضة أخرى، جماعية هذه المرّة، لتستأثر باهتمام المغاربة: منتخب كرة القدم؛ “الأُسُود” الجديرون بحمل هذا اللقب، الذي أُهين بعد ذلك، وإنْ في فترات مُتفرّقة، ومُرّغت كرامته في التّراب على أيدي أو بالأحرى أرجُل “أُسُود” لم تعد تحمل من صفات ملوك غابات إفريقيا إلا الاسم..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *